تصدرت عبارة "العملات المشفرة في عداد الموتى" أو "Crypto is Dead" بالإنجليزية جوجل تريندز، أداة تحليل محرك البحث الأول في العالم. وقد سجلت أعلى معدل بحث لها (حوالي 100). والمثير في الأمر، أن هذه الظاهرة تزامنت مع زيادة ضخمة في البحث عن "البت كوين" والتي ارتفعت معدلات البحث عنها من 19 إلى 51 مرة.
شهد الأسبوع الماضي أحداث أقل ما توصف بكونها تاريخية في سوق المال بشكل عام وسوق العملات المشفرة بشكل خاص، الأمر الذي دفع بعض رواد الاستثمار في العملات المشفرة إلى اعتبارها "في عدد الموتى" بالفعل. فقد انخفض سعر عملة بت كوين الرقمية إلى ما هو أقل من 20 ألف دولار منذ آخر ارتفاع لها في ديسمبر 2017.
مؤشرات انخفاض العملات المشفرة والبت كوين خلال الأسبوع الماضي
وقد شهدت عملة بت كوين انخفاض سابق لذلك الذي شهدته الأسبوع الماضي، حيث انخفضت دون مستوى معدل دعمها التاريخي لأقل من متوسط سعرها خلال 200 أسبوع، لتصل إلى 22,400 دولار. علاوة على هذا، فقد وصلت قيمة الخسائر التي لحقت بمستثمري عملة بت كوين على مدار 6 أيام على التوالي من 13 إلى 18 يونيو لما يعادل 19.121 مليار دولار، وهو معدل غير مسبوق أبداً.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل استمرت موجة أخبار أسهم سوق العملات المشفرة المتداعية لتصل إلى بورصات الإقراض وشركات الخدمات المالية. حيث جاء تداعي النظام البيئي تيرا (لونا) كطامة كبرى فوق رؤوس الجميع الشهر الماضي. مما أدى إلى مواجهة العديد من شركات العملات المشفرة لتوابع خطيرة لهذا الانخفاض وما لحقه من قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
ومن جانب آخر، قامت سلزيوس وهي شركة إقراض للعملات المشفرة ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد أموال عملائها لمواجهة أزمة السيولة التي تواجهها. ولا تقف قائمة شركات العملات المشفرة المتعسرة عند سلزيوس بل تمتد لتضم عدد ضخم من الشركات وبورصات العملات الرقمية ورواد الصناعة مثل "ثري أروز كابيتال" (Three Arrows Capital) المختصة بالإدارة والاستشارات المالية والتي تواجه حالياً مشكلة إعسار ضخمة، وأيضاً كوين بيز وجيمني وكريبتو.كوم وبلوك فاي) ممن قاموا بتقليص أعداد القوى العاملة لديهم تحسباً لاستمرار ظروف سوق المال والعملات المشفرة غير المستقرة لفترة أطول لا يعلم مداها إلا الله.
عبارة "العملات المشفرة في عداد الموتى" حقيقة أم زوبعة في فنجان؟
وتكشف بيانات جوجل تريندز عن الآراء السلبية للمتابعين والمهتمين بسوق المال والعملات المشفرة، فوفقاً لأحدث البيانات التي تم الحصول عليها من أداة البحث، لوحظ ارتفاع زائد في أعداد المتهمين بالبحث عن هذه العبارة بالتحديد، لتصل لأعلى معدل لها على الإطلاق.
وكما هو موضح في المخطط البياني لتاريخ البحث عن عبارة "العملات المشفرة في عداد الموتى" على مدار 5 سنوات، نجد أن هناك 3 فترات ارتفعت فيها معدلات البحث (ويشار إليها بالأسهم الحمراء أعلاه). ومن الطبيعي أن تكون هناك علاقة تبادلية بين هذه الفترات وبين انخفاض سعر البت كوين وانهيار العملات المشفرة على المستويين المحلي والعالمي
وظهرت هذه العبارة لأول مرة في محركات البحث في بداية نهاية سوق الأسهم المتداعية (Bear Market) في ديسمبر 2018. ثم أعقبها ذروة أخرى في فترة انخفاض سعر البت كوين بشكل ضخم والذي وصلت فيه إلى 64,900 دولار في أبريل 2021. والذروة الأخيرة التي حدث مؤخراً لتشهد أعلى معدل لها في مايو 2022 عندما خسرت عملة بت كوين الدعم المقدم لها ليصل سعرها إلى 38 ألف دولار ثم مرة أخرى إلى 27 ألف دولار وهو أدنى مستوى وصلت إليه على الإطلاق.
وبالتالي، نستطيع كقراء للموقف والبيانات المستخلصة من محركات بحث جوجل أن نستنتج أن ارتفاع معدلات البحث عن عبارة "العملات المشفرة في عداد الموتى" يعد مؤشراً على المنظور السلبي الذي يتبناه الكثيرون حالياً حول سوق العملات المشفرة وحالة الكساد الاقتصادي الحالية. إلا إن هذا المؤشر يمكن تفسيره بشكل معاكس على المدى الطويل بكونه دليلاً على وصول عملة بت كوين للقاع.
على الرغم من أن سوق المال عادة ما يستند في تحليلاته إلى بيانات وأرقام العوائد والفوائد والمديونات والأرباح والميزانية وما إلى ذلك، إلا أنه كثير ما يعتمد أيضاً على توجهات الأفراد، فهو في نهاية الأمر مرآة للحالة الاقتصادية والاجتماعية. لذا، وفقاً لما يعرف باسم مؤشر "الخوف والطمع" أو "Fear and Greed Index" وهو أحد أشهر مؤشرات سوق المال، نجد أنه يشير إلى نفس نتائج بحث محرك جوجل. حيث سجلت مؤشرات أسواق الاقتصاد الكلية توجهاً صارخاً نحو أسواق الأسهم المتداعية أو ما يعرف باسم "Bear Market" لعدة أسابيع على التوالي، حيث وصلت لأدنى مستوى لها وهو أقل من 20 نقطة منذ 9 مايو ولم تشهد هذه المؤشرات أي ارتفاع يذكر منذ تلك اللحظة.
عملة البت كوين تزداد شعبية رغم الانهيار
على الرغم مما تشير إليه تحليلات جوجل تريندز من فقدان الثقة في العملات المشفرة عقب انخفاض سعر البت كوين، إلا أنها أشارت إلى توجه مناقض ومثير للاهتمام للغاية. حيث أشارت التحليلات إلى ارتفاع معدلات البحث عن عملة بت كوين وفقاً للإحصائيات العالمية.
ويبدو هذا الاهتمام مفاجئاً تماماً، فعادة ما تزامن زيادة الاهتمام ومعدلات البحث عن عملة البت كوين بارتفاع أسعارها وليس انخفاضها، أو على أقل تقدير ازدهار سوق العملات المشفرة بوجه عام. ولكن حدث عكس المتوقع، حيث ارتفعت معدلات البحث عن عملة البت كوين من 19 إلى 51 نقطة، بالرغم مما تشهده أسواق العملات المشفرة من مشاكل إعسار وسيولة.
وبالتالي، يمكننا استنتاج أن مستوى الاهتمام بعملة البت كوين في وقتنا الحالي يُقدر بنصف حجم الاهتمام بها في أواخر عام 2017 وهي الفترة التي شهدت فيها هذه العملة الرقمية أعلى مستوى لها على الإطلاق (ATH) بقيمة 20 ألف دولار. وهي أيضاً نفس الفترة التي سجلت فيها معدلات البحث عن البت كوين أعلى نقطة لها.
بالنظر إلى مخطط سجل البحث عن هذه العبارة، سنجد أن نفس العبارة شهدت ارتفاعاً في فترتين آخرتين (مشار إليهما بالأسهم الحمراء). الفترة الأولى يُفسر ارتفاع معدلات البحث عنها بالنمو الديناميكي لعملة البت كوين في الفترة من يناير إلى فبراير 2021، أما الفترة الثانية، فيرجع فكانت على النقيض تماماً، حيث يرجع ارتفاع معدلات البحث عن نفس العبارة إلى انخفاض ديناميكي للبت كوين والعملات المشفرة بوجه عام وهو ما حدث في شهر مايو 2021.
بالاطلاع على كافة المخططات والأرقام والبيانات التي توفر لها نتائج محركات البحث "جوجل تريندز" نجد أنفسنا أمام صورة مزدوجة الأبعاد ومتناقضة المضمون، ولكنها في نفس الوقت تعبر عن منظور الأفراد حول سوق العملات المشفرة في هذه اللحظة من التاريخ. من جانب، تشير هذه التحليلات إلى زيادة اهتمام المستثمرين بعملة البت كوين على الرغم من انخفاض أسعارها، وعلى الجانب الآخر، يظهر لنا مؤشر الخوف والطمع وهو مؤشر شديد السلبية حول حالة سوق المال والعملات المشفرة. لذا، لا يسعنا إلا أن ننظر إلى عبارة "العملات المشفرة في عداد الموتى" إلا مؤشر يعبر عن تقلب عواطف ومشاعر الأفراد، وليس مؤشراً دقيقاً أو حقيقاً، فكم من مرة أعلنوا وفاة العملات المشفرة لتعود من جديد كالعنقاء تنفض عن نفسها الرماد وتبث في جسدها شعلة الحياة.
لمزيد من الاخبار حول حالة سوق المال والعملات المشفرة يمكنك الإطلاع على المقالات التالية:
- مستثمر شبكة سلزيوس للعملات المشفرة يقترح خطة انقاذ للخروج من الأزمة
- الكساد الاقتصادي يتسبب في تسريح 15 ألف موظف
- محلل وول ستريت: العملات المشفرة والأصول المالية رهن الاحتياطي الفيدرالي
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.