تشهد نهاية شهر يوليو قرارات مصيرية لسوق العملات المشفرة والكريبتو حيث يناقش الآن البرلمان الأوروبي نتيجة التصويت النهائي على قرارين حاسمين يتعلقان باستخدام وتداول العملات الرقمية وبيانات العملاء المرسلة والمستلمة لها.
العملات المشفرة بين دفتي قانون "التحويل" ولائحة MiCA
تواجه العملات المشفرة حالياً في البرلمان الأوروبي حرباً تشريعية شرسة قد تأتي على سوق العملات الرقمية والكريبتو في أوروبا عن بكرة أبيه. فأول ساحة نزال له هي قانون "التحويل" أو ما يُعرف باسم "Travel Rule" الذي يُلزم شركات وبورصات العملات المشفرة بالإبلاغ عن أي معاملات مالية وحركات تحويل، مع إلغاء الحد الأدنى للإبلاغ الذي كان محدداً فيما سبق بقيمة 1000 يورو، لتصبح الشركات ملزمة بالإبلاغ عن حركات التحويل كافة وإن بلغت قيمتها 5 يورو. ويعود السبب في هذا القرار إلى زعم أعضاء البرلمان الأوروبي إلى أن العملات الرقمية تم استخدامها في تمويل العمليات الإرهاب وممارسات غسيل الأموال والعديد من صور الأنشطة المالية غير المشروعة، متخذين من الحد الأدنى ثغرة قانونية للإفلات من العقاب.
وليس هذا فحسب، فهناك معضلة قانونية أخرى تلوح في أفق شركات العملات المشفرة والكريبتو في أوروبا، وهي قانون تنظيم أسواق الأصول المشفرة أو ما يُطلق عليه لائحة MiCA وهي اختصار لعبارة Markets in Crypto. ويسعى التشريع الجديد إلى تيسير وتبسيط وتنظيم تقنية دفتر الأستاذ الموزع (DLT) والأصول المشفرة داخل الاتحاد الأوروبي وفي نفس الوقت العمل على حماية المستهلك والمستثمرين.
ويرى مستشار استثمارات العملات المشفرة باتريك هانسين أن هذه التشريعات سيكون له أثر مدوي بل مصيري على سوق العملات المشفرة والكريبتو ليس فقط في أوربا بل والعالم أجمع.
فمن المفترض أن تشتمل لائحة MiCA بنود تنظيمية شاملة لكافة أنشطة شركات العملات الرقمية والكريبتو في أوروبا. ومن المفترض أن يتم إصدار القرار النهائي بعد اجتماع أهم ثلاثة هيئات تشريعية في أوروبا وهي البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا والمفوضية الأوروبية للتصويت على القرار النهائي يوم 30 يوليو لهذا العام.
بريطانيا تقود في الاتجاه المعاكس لأوروبا
في نفس الوقت الذي يشهد فيه سوق العملات المشفرة والكريبتو حرباً تشريعية في أوروبا، تأتي المملكة المتحدة لتقود اقتصادها عكس التيار الأوروبي. حيث أعلنت خزانة جلالة الملكة البريطانية عن تخليها عن خططها السابقة المتعلقة بمحافظ العملات المشفرة المطالبة لكافة مرسلي العملات المشفرة بتجميع بيانات محددة لهوية مستلم هذه الأموال.
وبموجب هذا القرار ترحب المملكة المتحدة بذراعين مفتوحتين شركات العملات الرقمية والكريبتو إذا ما لفظتها أوروبا.
وبالطبع المملكة المتحدة ليست العازف الوحيد خارج سيمفونية التشريعات الأوروبية، فقد سبقتها سويسرا المتربعة على قائمة الدول الأكثر جاذبية لشركات العملات المشفرة والبلوك تشين. بعد حصول مدينة لوغانو على لقب "العاصمة الأوروبية لشركات العملات المشفرة"، وجاء هذا في أعقاب توقيع شراكة مع منصة تيثر لجذب الاستثمار إليها وتعزيز مكانتها كمركز للعملات الرقمية والكريبتو.
شركات الكريبتو والعملات المشفرة تتجه شرقًا
في وقت الذي تحاول فيه دول الاتحاد الأوروبي أن تضع طوقاً من اللوائح والقوانين المقيدة لشركات العملات الرقمية والكريبتو، تبذل دول العالم العربي والإسلامي قصارى جهدها في اجتذاب هذه الشركات وإصدار القوانين التشريعية المنظمة لعملها. فقد عملت الإمارات على تأسيس "مجلس الاقتصاد الرقمي" الذي يهدف إلى المساهمة بـ%20 من مجمل الاقتصاد الوطني غير النفطي خلال السنوات القادمة. ومنح تراخيص عمل لعدد كبير من بورصات العملات الرقمية والكريبتو مثل بينانس وكريبتو أواسيس لتتجاوز تداولات العملات المشفرة والكريبتو في دبي 25 مليار دولار في عام واحد فقط.
وليس هذا فحسب، فقد أعلنت مؤخراً سلطنة عُمان عن إطلاق أول عملة رقمية وطنية لها. ومنحت دولة البحرين بينانس تصريحاً من الفئة الرابعة لبدء عمليات التشغيل.
مناقشات البرلمان الأوربي لسوق العملات المشفرة والكريبتو ستشمل الرموز غير القابلة للاستبدال NFTS
وفقاً لتصريحات هانسين، فإن نقاشات البرلمان الأوروبي وقراراته التشريعية تشمل أيضاً اتخاذ قرار بشأن تضمين الرموز غير القابلة للاستبدال NFTs في لائحة MiCA أم قصرها على العملات الرقمية والكريبتو المتداولة. وقد جاء قرار المفوضية الأوروبية مؤيداً للتضمين، فين حين اعترض كل من مجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي على هذه الخطوة. وفيما يبدو أن الهيئات التشريعية الأوروبية الثلاث سيتحتم عليها الوصول إلى تسوية.
وعلى الأرجح سينتهي قرار البرلمان الأوروبي إلى إعفاء الشركات المصدرة للرموز غير القابلة للاستبدال NFTSمن الالتزام بقانون التحويل ولائحة MiCA على السواء. إلا أن شركات الجهات الخارجية (الطرف الثالث) التي تقدم خدماتها لشركات الرموز غير القابلة للاستبدال NFTs سيتم شمولها في قوانين البرلمان الأوروبي. مما يعني أنهم سيصبحون مطالبون بالحصول على رخصة تقديم خدمات الأصول الرقمية والكريبتو (CASP) حتى يصبحوا قادرين على ممارسة أعمالهم داخل نطاق دول الاتحاد الأوروبي.
لا استثناء للعملات المستقرة
ومن المتوقع أن تشمل قرارات الأوروبي ونقاشاته العملات المستقرة، الأمر الذي أصبح على ألسنة الجميع بعد انهيار عملة تيرا وتسريح العديد من القوى العاملة في مجال شركات العملات المشفرة والكريبتو. وعلى الرغم من أن البنود الأساسية لهذه القوانين واللوائح قد تم الاتفاق عليها بالفعل والوصول إلى قرار نهائي. إلا أن الخطوط العريضة والأساسية لازالت نقاش مفتوح بين الأطراف.
ومن بين الخطوط العريضة التي لا تزال على قائمة النقاشات، الحد الأدنى التقني للعملات المشفرة والكريبتو وتحديد مسؤولية الإشراف عليها. فهناك عدد من الأصوات المنادية والمؤيدة لتدخل الهيئات الحكومية بصورة أكبر لتعزيز الشفافية والنزاهة والسيطرة على طمع الرأس مالية. وعلى الصعيد الآخر، تقف الأصوات المنادية بحرية الاستثمار وإطلاق اليد لرأس المال الخاص وطالبة بتشكيل مؤسسة موحدة على نطاق قارة أوروبا تعني بالمهام الإشرافية لسوق العملات المشفرة والكريبتو، دون تفضيل دولة على أخرى أو إرخاء الزمام في دولة وتضييقه في أخرى.
وفي نفس السياق، تم استثناء شركات التمويل والتداول اللامركزي (DeFi) من مظلة لائحة MiCA القانونية. إلا أن هذا الأمر لن يستمر طويلاً، فمن المقرر أن تنشر المفوضية الأوروبية تقريراً في عام 2023 معلنة به إطلاق مشروع تجريبي يختص بالإشراف على منصات التمويل اللامركزي (DeFi).
كما تم استثناء قرار حظر تعدين البت كوين من أجندة الاجتماع، على أن يسفر الاجتماع عن قرارات صارمة تخص متطلبات شركات تقديم خدمات الأصول الرقمية والكريبتو وتأثير عمليات التعدين على البيئة.
ولا تزال بعض جوانب قانون "التحويل" في مفاوضات وتسويات مفتوحة من المؤكد أنها ستسفر عن قرارات مثيرة للجدل. وحتى الآن، لازالت كافة معاملات العملات المشفرة والكريبتو تقع تحت مظلة قانون "التحويل" فيما عدا التحويلات التي تتم من نظير لآخر. وفي جميع الحالات لا يسعنا إلا انتظار قرارات البرلمان الأوروبي لقطع الشك باليقين ورسم خاطرة المستقبل.
واقرأ أيضاً
- الاتحاد الأوروبي يضيق الخناق على العملات المشفرة
- الخزانة البريطانية ترخى الخناق على محافظ العملات المشفرة
- سلطنة عُمان بصدد طرح أول عملة رقمية لها
- الأرجنتين تتجه إلى عملة البت كوين مع ارتفاع معدلات التضخم
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.