يرى البعض أن زيادة تبني العملات المشفرة يؤدي إلى تحسين الشمول المالي، فضلاً عن المساعدة في تنمية الثروة وحماية الأصول. إلا أن هناك آخرون مؤيدون لدور العملة المشفرة في توسيع الشمول المالي وهذا منظور لا يصمد أمام التدقيق.
وجهتي نظر بشأن العملات المشفرة والشمول المالي
يقصد بالشمول المالي، إمكانية وصول الأفراد والشركات إلى المنتجات والخدمات المالية المفيدة بأسعار معقولة تلبي احتياجاتهم من معاملات ومدفوعات ومنتجات ادخار وتسهيلات ائتمانية وقروض وخدمات تأمين، ويتم تقديمها على نحو مسؤول ومستدام.
كثير من الناس لا يدركون أن فتح حساب مصرفي، وإرسال الأموال إلى أصدقائهم، والتقدم بطلب للحصول على قرض عقاري، وغيرها من الخدمات المالية الأساسية التي نأخذها كأمر مسلم به هي من الكماليات في العالم العربي.
ثلث البالغين في العالم لا يتعاملون مع البنوك
وفقًا للبنك الدولي، فإن ما يقرب من ثلث البالغين في العالم "لا يتعاملون مع البنوك". مما يعني أنهم لا يستخدمون الخدمات المالية الرسمية. وهناك ما يقرب من ملياري شخص يفتقرون إلى الوصول إلى النظام المالي التقليدي. ولا يمكنهم حماية أموالهم، أو الوصول إلى أدوات وخدمات بناء الثروة، أو التخطيط الفعال لمستقبلهم.
لكن المشكلة ليست فقط في دول العالم النامي. حيث ذكر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في وقت سابق أن 22% من البالغين في الولايات المتحدة إما لا يتعاملون مع البنوك أو يعانون من نقص في البنوك. أي أن هناك 63 مليون أمريكي إما ليس لديهم حساب مصرفي على الإطلاق أو يعتمدون على "منتجات الخدمات المالية البديلة" مثل الحوالات المالية أو خدمات صرف الشيكات أو قروض الدفع لتلبية احتياجاتهم المالية.
تفاقمت هذه المشاكل مع جائحة مثل COVID-19. وفقًا لمنظمة أوكسفام، بعد تسعة أشهر من انتشار وباء COVID-19، لم يكن لدى ما يقرب من ثلث سكان العالم أي 3 مليارات شخص، شبكة أمان مالي يمكنهم الرجوع إليها.
وعلى ضوء تلك الحقيقة. يرى أصحاب وجهة النظر الداعمة لكون العملات المشفرة هي الحل للوصول إلى الشمول المالي بأنه هناك أمل.
هناك ما يقرب من ملياري شخص ليس لديهم حسابات مصرفية على مستوى العالم، ولكن يمتلك ما يقرب من ثلثيهم هواتف محمولة. ومع تزايد اعتماد الهاتف المحمول والإنترنت، يمكن تقديم الخدمات المالية لمن لا يتعاملون مع البنوك من خلال أجهزتهم المحمولة وعبر العملات المشفرة. وبالتالي يمكن تحقيق الشمول المالي بفضل العملات المشفرة.
لا تبدو فكرة التشفير مقنعة بالنسبة للشمول المالي
على الجانب الآخر من نهر التشفير والشمول المالي يقف أولئك الذين لا يقبلون بالأمر. ويرون أن أحد العناصر الجديرة بالملاحظة بشكل خاص هو ادعاءات قادة الصناعة بأن نمو أصول التشفير سيعزز الشمول المالي من خلال توفير وصول أسهل وأرخص إلى الخدمات المالية للأفراد ذوي الدخل المنخفض. وتحقيق لتراكم المدخرات وبناء الائتمان وإتمام المدفوعات من خلال التشفير أكثر من تلك التي تقدمها صناعة الخدمات المالية التقليدية.
ويعد تعزيز الشمول المالي هدف جدير بالثناء. لكن فكرة أن العملة المشفرة يمكن أن توسع بشكل كبير الشمول المالي لا تصمد أمام التدقيق. فلا يوجد دليل منهجي على أن معاملات التشفير أقل تكلفة من المعاملات المالية التقليدية. ولا تزال الأصول المشفرة تستخدم بشكل أساسي للمضاربة بدلاً من المدفوعات.
يهدف الشمول إلى التحسين وليس مجرد الدمج
الغرض الأساسي من الشمول المالي هو تحسين الرفاه الاقتصادي العام للأفراد ذوي الدخل المنخفض. وتشجيع الناس على استخدام رواتبهم أو مدخراتهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس لشراء الأصول هو أمر شديد الخطورة ويمكن أن يفعل العكس تمامًا.
يستخدم تداول الأصول المشفرة تقنية بلوكتشين وهى تقنية جديدة قد تتحسن عن الأنظمة القديمة. ويكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد إذا تم تنظيمها بشكل صحيح. ومع ذلك، هناك مخاوف كبيرة بشأن الاستقرار المالي والتقلبات والتلاعب بالسوق والاحتيال والتمويل غير المشروع.
يجب مراعاة هذه المخاطر في أي مناقشة حول ما إذا كانت الأصول المشفرة قادرة على تعزيز هدف الشمول المالي.
فالادعاء بأن التشفير يدعم الشمول المالي قد يكون صحيحًا في حالات معينة، قد تكون بعض معاملات التشفير رخيصة، بقدر ما قد تكون بعض التحويلات المالية التقليدية باهظة الثمن. لكن هذا لا ينطبق بالضرورة على الصناعة بأكملها.
تحديد ومعالجة الشمول المالي
يعتبر الأفراد الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى أي خدمات مالية "غير المتعاملين مع البنوك" التكلفة ورسوم الحساب المصرفي وخاصة رسوم السحب على المكشوف كعقبات رئيسية للاندماج في النظام المايل التقليدي، فهذه الرسوم يمكن أن تكون باهظة للأفراد ذوي الدخل المنخفض.
علاوة على ذلك، تشير معالجة الشمول المالي عادةً إلى السكان الذين لا يتعاملون مع البنوك. والذين يعانون من نقص في البنوك ويفتقرون الى الوصول إلى الخدمات المالية الآمنة. لكن الشمول المالى له أيضًا هدف أوسع يتجاوز مجرد الوصول إلى حساب مصرفي. توسيع الوصول إلى الخدمات المالية يجب أن يساعد في الحد من الفقر وتحسين الرفاهية الاقتصادية العامة لمن لا يتعاملون مع البنوك. من خلال تمكينهم من بناء المدخرات، وإجراء المعاملات المالية بتكاليف أقل، والاستعداد بشكل أفضل للمخاطر المالية المستقبلية.
دحض ادعاءات تعزيز التشفير للشمول المالي
عادةً ما تتضمن ادعاءات المدافعين بأن أصول التشفير يمكن أن تعزز الشمول المالي عدة نقاط. بما في ذلك أن التشفير أسهل في الوصول إليه من الخدمات المالية التقليدية لأنه لا يتطلب سوى جهاز متصل بالإنترنت وأنه يمكن أن تساعد الأصول المشفرة غير المتعاملين مع البنوك في تراكم المدخرات دون الحاجة إلى حساب مصرفي وإجراء المدفوعات بسهولة أكبر من استخدام الخدمات المالية الحالية، بالإضافة إلى استثمار أموالهم دون الحاجة إلى وسطاء تقليديين مثل البنوك.
المعارضون يدحضون منطقية الافتراضية
هذه الادعاءات المذكورة آنفاً لا تصمد أمام النقد الفعلي المدروس. فعلى الرغم من أن رسوم تحويل الأموال والحسابات المصرفية قد تكون مرتفعة بالفعل، إلا أن رسوم الأصول المشفرة غالبًا ما تكون أعلى،و تفرض بورصات التشفير رسومًا على المعاملات بمعدلات باهظة.
إلى جانب أن المضاربة بطبيعتها تتعارض مع الأصول المشفرة في الغرض من الشمول المالي. فلا تزال الأصول المشفرة شكلاً من الاستثمار محفوفًا بالمخاطر بشكل خاص، وحماية المستهلك متساهلة، فالمشاكل والمتاعب كثيرة في أسواق التشفير. مثل تقلب الأسعار والانهيارات، والاحتيال، والتلاعب في السوق، والسرقة الصريحة. وتلقي تلك الأمور بظلال من الشك على ادعاءات المدافعين بأن أصول التشفير يمكن أن تساعد الأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك على استثمار أموالهم بأمان.
خاصة أن الأفراد من ذوي الدخل المنخفض يمكن أن يكونوا أكثر عرضة لخطر خسارة أموالهم في حالة حدوث أزمة مالية متعلقة بالعملات المشفرة كما حدث مع بورصة FTX.
وينطوي كل استثمار على بعض المخاطر، إلا أن المخاطر التي تنطوي عليها أسواق العملات المشفرة مرتفعة بشكل خاص. حتى العملات المستقرة - الأصول المصممة تقنيًا للحفاظ على قيمة مستقرة - تشكل حاليًا مخاطر نظامية كبيرة، وتفتقر تمامًا إلى حماية المستهلك بما يتجاوز الوعود التي قدمها المُصدرون، ونادرًا ما يتم استخدامها للمدفوعات العادية في الوقت الحالي.
مازال الناس بحاجة لحساب بنكي للوصول إلى أسواق التشفير!
لا يزال الأفراد يحتاجون عادةً إلى حساب مصرفي لاستخدام أصول التشفير. من أجل شراء العملات المشفرة في بورصة حسنة السمعة، يجب على العملاء إيداع الأموال في حساب عبر الإنترنت من بطاقة خصم أو حساب مصرفي. وبالمثل، نظرًا لأنه لا يمكن استخدام أصول العملة المشفرة على نطاق واسع للمدفوعات، فعندما يحتاج حاملو العملة المشفرة إلى بيع عملاتهم المشفرة نقدًا، فعادة ما يطلبون حسابًا مصرفيًا لإيداع الأموال النقدية التي حصلوا عليها من البيع. في حين أنه من الصحيح أن تداول الأصول المشفرة من الناحية الفنية يتطلب فقط الوصول إلى الإنترنت وجهازًا، يمكن قول الشيء نفسه عن امتلاك حساب مصرفي - وقد أظهرت الأبحاث أن الافتقار إلى الوصول إلى الإنترنت بحد ذاته يزيد من احتمالية عدم التعامل مع البنوك وخارج النظام المالي.
السماح للمزيد من الناس بحبس أموالهم في استثمارات محفوفة بالمخاطر، ليس نوعًا من الشمول المالي، لن تفعل أي شيء لمساعدة الناس الذين يعملون في وظائف بالساعة والذين لا يضعون رواتبهم في البنك بسبب الرسوم التعسفية.
فصياغة الأصول المشفرة بلغة الشمول المالي هي على الأقل ماتزال تفكير بالتمني. في حين أن التشفير قد يكون وسيلة أسهل وأرخص لإجراء التحويلات المالية الدولية ودعم الشمول المالي في الخارج، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه يعزز الشمول المالي في مستوي الداخل في العالم العربي.
لا شئ جديد بشأن الثروة
يجب على المنادين - خاصة أولئك المهتمين حقًا بالأهداف الكامنة وراء الشمول المالي - أن يكونوا حريصين على استخدام هذا الخطاب إلى أن تثبت الصناعة أنها في الواقع تساعد الأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك بشكل أفضل من صناعة الخدمات المالية التقليدية.
هناك طرق مختلفة يمكن من خلالها لواضعي السياسات في البرلمانات العربية زيادة الشمول المالي بشكل هادف. يمكن للبرلمانات أن تمرر تشريعًا يحد من قدرة البنوك على تحصيل رسوم السحب على المكشوف وتعديل التشريعات الحالية لطلب المزيد من الأموال في الودائع لتصبح متاحة على الفور، مما يقلل من اثنين من العوائق الرئيسية أمام السكان الذين لا يتعاملون مع البنوك والذين يعانون من نقص في البنوك. كما يجب تشجيع البنوك الكبيرة على تقديم حسابات أساسية منخفضة التكلفة - وهو ما يفعله الكثير بالفعل فى دولة الإمارات، ولكنه ليس منتشر فى باقي الدول.
أخيرًا ، لا تعمل الأصول المشفرة بشكل أساسي على حل المشكلة التي يسعى الشمول المالي إلى حلها. الهدف من الشمول المالي هو أكثر من مجرد معاملات مالية أسهل وأكثر سهولة؛ هو التأكد من أن الأفراد والأسر يتمتعون باستقرار مالي ورفاهية اقتصادية أفضل. تستخدم الأصول المشفرة تقنية جديدة يمكن أن تجعل العمليات القديمة أكثر كفاءة، ولكن لا يوجد دليل على أنها تقلل من عدم المساواة في الدخل أو تضع المزيد من الأموال في جيوب الناس. تقدم العملات المشفرة ببساطة طريقة جديدة للأفراد للتداول والمضاربة بالأموال التي لديهم بالفعل.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.