تقول الحكمة الرأسمالية القديمة "عليك أن تسحق منافسيك، وإلا سيتم سحقك" معضلة السوق الرأسمالى القديمة. تلقي بثقلها من جديد على سوق العملات الرقمية. حتي اللحظة يفهم "تشانغ زاو" تلك القاعدة. وهو المنافس الأقوى الذي يواصل سحق منافسيه واحدًا تلو الأخر، ويخرجهم تمامًا من المنافسة والسوق.
المنافسة الحرة هل لازالت حرة في سوق العملات الرقمية؟
يعد سوق العملات الرقمية القائم على اللامركزية موزاياً للسوق التقليدية المركزية وبالرغم من ذلك، ثمة شيء لا يتغير في الحالتين، وربما لن يتغير لعقود طويلة قادمة وهو المنافسة والمصلحة.
فى 7 نوفمبر أشار "تشانغبينغ زاو" إلى عدم رغبته في قبول الصفقة التي عرضها سام بانكمان المدير التنفيذي فى FTX لشراء حيازات FTT الخاصة ببينانس مقابل 22 دولارًا لكل توكن. لكن زاو رفض وغرد عبر تويتر قائلاً "أعتقد أننا سنبقى في السوق الحرة".
حينما رفض زاو تلك الصفقة هل كان حقًا يؤمن بالمنافسة النزيهة، وفقا لقواعد السوق الحر! وفقًا لتاريخ معاملات "تشاتغ زاو" فالإجابة القاطعة هي لا. ففي المنافسة الحرة "ليست ثمة مكان للقيم النبيلة، بل "اركل خصمك ودعه يسقط".
المنافسة الحرة ليست دائمًا حرة،. خلال الأسابيع الماضية شهد السوق انهيارات واسعة، إلى جانب تلك الانهيارات ثمة صراع ما يدور في الخلفية. مجموعة من التغريدات عبر حسابات مجهولة كانت كفيلة بخلق حالة من الهلع بين المستثمرين. الشائعات أيضًا يمكن أن تسقط خصومك وليس فقط إدارتهم السيئة للأمور.
المنافسة والمصلحة الذاتية
اقتصاد السوق هو النظام الاقتصادي الذي يمتلك فيه الأفراد معظم الموارد. وفقًا لهذا النظام فان الحكم فيه ليس الحكومات وإنما لقواعد المنافسة الحرة. لذا تصعد بعض الشركات وتنمو وأخرى تفلس وتنهار. قانون المنافسة الشرس ودافع المصلحة الذاتية يفسران المضاربات والدماء التي غطت سوق العملات المشفرة طوال الشهور الماضية.
تشانغ زاو هو المدير التنفيذي لمنصة العملات المشفرة الأبرز في العالم بينانس. وفقًا لهذا التعريف البسيط الذي يخبرنا الكثير عن زاو. فانه يوضح أن ثمة مجموعة من البورصات المتنافسة في سوق العملات الرقمية حيث تحاول كل منصة جذب المزيد من العملاء واستقطابهم بعيدًا عن المنصات الأخرى.
لكن ثمة قانون آخر للرأسمالية يتبناه زاو "اذا أردت أن تنافس لا ينبغي عليك فقط أن تكون جيد، بل ينبغي على خصومك أن يكونوًا سيئين". تشويه سمعة منافسك هو انتصار.
الاستدارة نحو الخصوم
لقد انتهي أمر FTX، وحان الوقت لتحطيم مزيد من البيادق على خريطة سوق العملات الرقمية. بعد أسبوعين فقط أثار "زاو" بعض المخاوف بشأن الوضع المالي لمنافس آخر هو كوين بيز. فى هذه المرة فشل زاو فى أسقاط كوين بيز. وتبددت مساعيه لخلق حالة من الفوضى واستهداف بورصة منافسة أخرى، وفى الأخير تراجع عن تصريحاته.
بعد بيان من الرئيس التنفيذي كوين بيز بالافصاح عن منتجات الأصول الرقمية المخزنة لدى كوين بيز من بتكوين. والتي بلغت 635000 وهو عكس ادعاء "زاو" بأنها تمتلك أقل من 6000000 بتكوين.
المعضلة الأكبر هنا هي قوانين اللعبة، فى سوق العملات الرقمية. "كل انتصار يحققه طرف هو خسارة للطرف الآخر، وكل إخفاق للطرف الآخر هو انتصار للآخرين" أنه قانون السوق والمنافسة الأبدي.
تلعب قوتان - المصلحة الذاتية والمنافسة - دورًا مهمًا للغاية في السوق. تلك هي كلمات مؤسس الاقتصاد الحديث آدم سميث. بالرغم من مرور أكثر من 200 عام على ما قاله آدم سميث حول الاقتصاد، لكنه يبقي بمثابة أساس ومقدمة لفهم الحرب الشرسة التي تدور رحاها في صناعة العملات الرقمية.
البقاء للأفضل أو للأقوى
أسس تشانغ زاو بينانس في يوليو 2017، وخلال 180 يوماً فقط أصبحت بينانس أكبر منصّة لتداول العملات الرقمية في العالم. و بوصفه خبيراً في أنظمة التداول والبلوكتشين، أسس بينانس لتصبح منظومة بلوكتشين رائدة تُقدم خدمات متنوعة.
تضم بينانس منصّة للتداول، ومُختبرات بينانس، ومنصّة لإطلاق المشروعات الرقمية، وبوابة للمعلومات، وأكاديمية بينانس ، وأبحاث بينانس ، ومحفظة حيازات، ومؤسسة بينانس الخيرية، فضلاً عن منصة للرموز غير القابلة للتبادل وغيرها الكثير.
والجدير بالذكر أن السيد زاو صاحب الـ45 عام قضى شبابه في تقليب البرغر قبل أن يلتحق بجامعة مكغيل بمونتريال للدراسة في كندا.
في عام 2015، استقال زاو من منصب رئيس فريق التطوير والأبحاث للعقود الآجلة في بلومبيرج تريد بوك. وانتقل إلى شانغهاي للمشاركة في تأسيس Fusion Systems. ولم يمض وقت طويل حتى تعرّف على كل ما يتعلق بالبتكوين. وانضمّ إلى بلوكتشين Blockchain.com كرئيس لقسم التكنولوجيا. وفي عام 2020، تم اختياره ضمن قائمة بلومبيرج ضمن واحد من الـ50 الأكثر تأثيراً في ذلك العام.
يبدو من الوصف السابق أن "زاو" الذي أصبح في 180يومًا فقط. الرئيس التنفيذي لأكبر منصة لتداول العملات الرقمية في العالم، هو بالفعل الأفضل والأجدر على الإطلاق.
ولكن ليس من المفترض أن ننجرف خلف هذا الأمر. هناك دائمًا شيء لا نعلمه، وأمور تحدث في الفضاءات الخلفية. الطبيعة والسوق لا يختار الأفضل دائمًا. وبناء إمبراطورية بهذا الشكل في 180 يومًا من الصعب تقبله في سوق مضجج بالمنافسين الأقوياء. لذا دعنا نلقي نظرة على القوة.
الأقوياء دائما في الخلف
في الخلفية هناك مجلس استشاري عالمي يقف خلف بينانس؛ هذا المجلس هو الأقوى على الإطلاق. يبدو أن العملات الرقمية لم تعد تتعلق بالتكنولوجيا ورجال التشفير. أنها سوق اقتصادي عالمي ينموا بسرعة. وهكذا يجذب إليه حيتان السياسة والاقتصاد. يضم المجلس الاستشاري كبار رجال السياسة والاقتصاد في مختلف قارات العالم على النحو التالي؛
من الولايات المتحدة الأمريكية
يضم المجلس الاستشاري ماكس بوكس. السفير الأمريكي السابق للولايات المُتحدة إلى جمهورية الصين الشعبية؛ عضو مجلس الشيوخ السابق في ولاية مونتانا؛ الرئيس السابق للجنة المالية في مجلس الشيوخ.
بالاضافة إلى "ديفيد بلوف" استراتيجي الأعمال التجارية والأعمال غير الربحية والسياسية. مؤلف وعضو في العديد من مجالس الإدارة؛ المُستشار الرئيسي لمُدير حملة الرئيس السابق براك أوباما في البيت الأبيض.
أوروبا
من القارة الأوروبية يضم المجلس السيد "برانو بيزرد" المُستشار الاقتصادي السابق لرئيس الوزراء الفرنسي. الرئيس السابق للخزينة الفرنسية؛ الرئيس التنفيذي السابق للوكالة المُساهمة للحكومة الفرنسية.
كذلك" لورد فيزى" عضو في مجلس لوردات المملكة المتحدة؛ وزير سابق وعضو في البرلمان. و"كريستين شيفر" المؤسِسة والمُديرة الإدارية لشركة acs plus؛ المسؤولة السابقة عن شؤون مخاطر المجموعة في إرست جروب بنك. الرئيسة العالمية السابقة للحلول الكميّة في دوتش بنك؛ أحد أعضاء لجنة أخلاقيات البيانات في الحكومة الفيدرالية الألمانية.
وأخيرًا "ديفيد رايت" الأمين العام السابق في المفوضية الأوروبية ؛ نائب المُدير العام السوق المالية لدى المفوضية الأوروبية.
أفريقيا
من القارة الأفريقية يأتي السيد "أبكان أوساكا" أول رئيسة لمصرف نيجيريا الأول. مؤسِسة شركة The Chair Centre group؛ رئيسة المجلس الاستشاري النيجيري، للاستثمار المؤثّر ومحفل نزاهة الأعمال. أحد أعضاء مجموعة العمل الدولية السبعة للاستثمار المؤثّر؛ مؤلفة للعديد من الكُتب.
و"ليزلي ماسدورب" من جنوب أفريقيا، نائب الرئيس والمُدير المالي الرئيسي لبنك التنمية الجديد. الرئيس والمُدير الإداري السابق لجنوب أفريقيا في مصرف America Merrill Lynch. نائب رئيس مجلس الإدارة السابق في Barclays Capital. المُستشار الدولي السابق لشركة Goldman Sachs.
أمريكا اللاتينية
من القارة اللاتينية يأتي السيد "هنريكي دي كامبوس" من البرازيل. وزير الاقتصاد السابق، الرئيس السابق لمصرف البرازيل المركزي. الرئيس السابق لمجلس إدارة J&F، العضو السابق في مجلس إدارة خطوط Azul الجوية البرازيلية. الرئيس السابق لمصرف بوسطن بنك؛ الرئيس السابق للأعمال المصرفية العالمية في شركة فلات بوسطن للأعمال التجارية. والرئيس السابق فى عدة شركات عالمية.
من المكسيك يأتي السيد "أدالبرتو بالما" عضو مجلس الإدارة الفخري في مؤسسة Aspen بالمكسيك. المُستشار الرئيسي السابق في مكتب رئيس شؤون الموظّفين لرئيس المكسيك؛ مُدير تطوير الأعمال التجارية في شركة BEworksMX الاستشارية. الرئيس السابق في CNBV؛ الرئيس المؤسس لمركز التميّز في حوكمة الشركات. مُدير مُستقل في المؤسسة لحماية المُدخرات؛ رئيس مؤسسة Bankers Trust في المكسيك وكولومبيا وفنزويلا؛ المُدير الإداري لمصرف Citibank في المكسيك.
آسيا
القارة الأسيوية هي الأقل فى التمثيل داخل المجلس الاستشارى العالمى لبينانس بالرغم من أنها موطن السيد زاو.
" هيونغرين بانغ " الكوري هو مُستشار في اللجنة الرئاسية الكورية. مُستشار العلاقات العامّة/الاتصالات فى حملة الرئاسية لعام 2022. الرئيس التنفيذي السابق لشركة SoftForum Inc.؛ المُدير التنفيذي السابق لشركة Hyundai؛ المُدير التنفيذي السابق لشركة Samsung.
بعد الاطلاع على هذه الأسماء فان السيد "زاو" ليس البطل الذي تصورانه في البداية. في سوق التشفير وغيرها من الأسواق لا تسير الأمور وفقًا للأخلاقيات بحسب السيد زاو. لم تصبح بينانس أكبر منصة عالمية في 180 يوم بفضل ذكاء السيد زاو أو فطنته. وإنما حين تمتلك هذه الأسماء التي تسهل العقود والعلاقات وتنشئ إمبراطورية عملاقة تبتلع المنافسين، فهذا ما يقف خلف إمبراطورية بينانس. وقوة السيد زاو الذي يطيح بمنافسه من فوق جسر التشفير الشاهق.
مرة أخرى زاو يتحدى المعضلة ويتحدث عن الأخلاق
يقول تشانغ في المبادئ الأساسية التي يتبناها ويعلنها عبر منصة بينانس" إياك وتجاوز الحدود الأخلاقية، لأن ذلك سيرتد عليك". لكن السيد زاو لا يخبرنا كيف يمكن التوفيق بين الأخلاقيات وقيم السوق القائم على المنافسة الحرة؟!. فالمعضلة تطرح نفسها من جديد. الالتزام بالقيم الأخلاقية يضعف ويقوض المنافسة، لأن الخصوم لن يكونوا أخلاقين حين يتعلق الأمر بالربح والمنافسة وخروج المغلوب.
على هامش ملتقى أبوظبي للعملات المشفرة، ضمن منتدى أسبوع أبوظبي المالي. وفى حديثه عن سقوط FTX ومستقبل التشفير ذكر "زاو" أن العملات المشفرة ليست بحاجة إلى منقذ وأن العملات الرقمية ستكون بخير، وانه ليس منقذًا أو خارقًا.
وأضاف "نحن أحد اللاعبين في الصناعة". يعود السيد " زاو" مرة أخرى إلى قوانين السوق الرأسمالية بعيدًا عن الشعارات. يظهر السيد زاو هنا كرجل أعمال يؤمن بالمنافسة وبالسوق الرأسمالي. ليس عليه أن يتدخل وينقذ منافسيه. فـ FTX هي أكبر منافس في العالم لـ بينانس.
المنافسة قانون لا يمكن تجاهله من أجل البقاء
تجبر المنافسة الشركات على إجراء تغييرات مستمرة لسحق منافسيها. أو لتظل على الأقل في مستوى المنافسة، وتفشل بعض الشركات في إجراء ذلك حتى تصل إلى حد الإفلاس، وتستغنى عن العمال الذين يضافون إلى قوائم البطالة. بالرغم من ذلك تلك المنافسة هي ما يمثل الدفاع في النظام الرأسمالي وفى سوق التشفير، وتجعله ديناميكياً بشكل استثنائي. للمنافسة عيوب ولكنها قانون لا يمكن تجاهله من أجل البقاء.
وفقًا للسوق الحرة عدم التدخل هي أنقى أشكال الرأسمالية. سوق التشفير ينموا وهناك دئما من يسقط، ولا يمكننا أن نمد أيدينا في كل مرة لنلتقط أحدهم. وفقًأ لذلك فإن السوق سوف يشهد تقلبات كبيرة خلال السنوات والعقود القادمة. سقوط البعض وبروز لاعبين جدد في ساحة التشفير.
حتي اللحظة مازلنا غير واثقين بشكل كامل في قدرة العملات المشفرة على الصمود. أو بالأحرى التقدم نحو إزالة النظام النقدي والمالي العالمي التقليدي، والحل محاله. بالنظر للتزايد الملحوظ في الشراكات وعمليات الدفع والأقبال المتزايد في عمليات تبني التشفير عالمًا، يبدوا أن حلم المخترع الأساسي "ساتوشي ناكاموتو" أقرب من أي وقت سابق برغم الاهتزازات.
بالرغم من ذلك فإن المعضلة الرأسمالية القديمة ستبقي في سوق التشفير الجديد، المنافسة الشرسة على السوق بدافع المصلحة الذاتية للشركات ستجبر الجميع على مواجهة الجميع. السيد " زاو" سيطيح بمنافسيه اليوم ولكن ليس لوقت طويل.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.