ما تزال طائفة كبيرة من الناس يتسألون عن مشروعية العملات المشفرة وما الذي يعنيه التشفير علي وجه التحديد، بالرغم من أن مجموعات كبيرة من الأفراد اصبحوا من الأثرياء و أصحاب الملاين بسبب العملة المشفرة، إلا أنه ما كان في يوم من الأيام مجالا خصبًا للخبراء والسيبرانيين أصبح اليوم متنوال الجميع، وبإمكان أي فرد شراء وبيع العملات المشفرة علي منصات تداول تلك العملات، وكذلك شراء الخدمات والسلع وكافة عمليات التبادل التقليدية.
وبالرغم من ذلك ما يزال السؤال حول شرعية العملة المشفرة يتبادر إلى الأذهان، في ظل تصورات متغيرة ومعلومات متباينة حول الأمر، ولا يزال الكثير من الناس يعتقدون أن الاستثمار في العملات المشفرة يتعلق بالحظ والمضاربة، وهو الأمر الذي يجعل السؤال عن مشروعية هذه العملات المشفرة سؤالا مطروحًا باستمرار.
ما هي العملات المشفرة؟
العملات الرقمية هي شكل افتراضي للعملة الورقية، غير المتداولة بشكل مادي ملموس بين الناس، والتي يتم تأمينها عن طريق التشفير بحيث لا توجد إمكانية للتزوير. وهي تعني رموز لا يتمكن من قراءتها وفهمها إلا شخص لديه حق الوصول إلى كلمة المرور الخاصة به، يتم تشفير جميع البيانات في شبكة بلوك تشين للحماية باستخدام رموز التشفير، التي تعني مجموعة من المبادي الرياضية المتقدمة المستخدمة لتخزين البيانات ونقلها والتأكد من فهمها من قبل مرسل البيانات ومتلقيها فقط، واذا حاول شخص أخر الوصول الي تلك البيانات فأنها ستظهر بهذا الشكل (!@%&*>.!$##%$) ولن يستطيع الوصول إلى البيانات الموجودة أو قراءتها.
ما الذي يجعل العملات الرقمية شرعية؟
في كتاب"العملات الرقمية والاستثمار الذي تحتاجه أكثر من أي وقت أخر" الذي صدر عن مؤسسة فريدمان Freedman Publications حدد 5 معايير من أجل أن تصبح أي عملة شرعية سواء كانت تقليدية أو افتراضية، وهي كالتالي: 1 الندرة 2 القابلية للقسمة 3 قابلية النقل 4 المتانة .5 قابلية التعرف وهي العوامل التي تحدد شرعية العملات وقابليتها للتداول.
- الندرة
تعتبر الندرة من أهم صفات أي شكل من أشكال المال، بمعني أنها غير متوفرة بسهولة ولا يعاد سكها وإنتاجها أمر ممكن للجميع، لأن هذا ما يضمن أن المعروض من السلع والخدمات تحت السيطرة، وهو الأمر غير الممكن إلا بالحفاظ علي قيمة العملة، لأنه إذا كان لدى الجميع القدرة على سك النقود في المنزل ، فإن قيمة السلع والخدمات سترتفع لأن المعروض من النقود أصبح أكثر من السلع والخدمات المتوفرة، بحيث تصبح السلع هي النادرة في مقابل النقود المتوفرة، التي ستصبح عديمة القيمة.
بالنسبة للعملات النقدية التقليدية فإن البنوك المركزية في جميع الدول هي التي تضع السياسات النقدية من أجل السيطرة علي التضخم والحفاظ علي قيمة العملات والأسعار. وهو ما يمكن أن نطلق عليه المركزية، لأن جهة واحدة متحكمة في النظام المالي. بالنسبة للعملات المشفرة فإنها تشترك مع العملات التقليدية في الندرة لآكنها تبتعد عنها في المركزية. فالعملات المشفرة تنمو في اللامركزية، بمعني أنه لا يوجد جهة واحدة تهيمن علي النظام المالي، بفضل نظام Blockchain التي تقوم بتسجيل كافة التعاملات التي تجري وتواريخ هذه التعاملات بشكل آلي، الي جانب صعوبة تعدين العملات المشفرة وإنتاجها. فعلي سبيل المثال لا يمكن تعدين أكثر من 21 مليون "بتكوين" على الإطلاق، بحيث تصبح العملة أكثر قيمة بمرور الوقت، بدلا من أن تكون أقل قيمة.
كما تضمن خوارزمية مكافأة التعدين وهي عبارة عن عمليات حسابية ورياضية معقدة وطويلة، وينشئ عن حلها مكافاة للذين يقومون بذلك، ضمان ندرة العملات المشفرة لأنها تتطلب الكثير من قوة معالجة الكمبيوتر والطاقة. هذه الصعوبة في إنتاج عملة" البيتكوين" علي وجه التحديد تشكل الحد الصارم لعدد العملات ما يعني أن الندرة موجودة دائما.
- قابلية التجزئة
قابلية التجزئة تعني أن العملة الوحدة قابلة للتفكيك والقسمة إلى وحدات أصغر، علي سبيل المثال فإن الجنية المصري أو الدرهم الأماراتي هو قابل للتجزئة الي قروش أو فلسات، أما للدولار فالي بنس. هذه القابلية هي التي تشكل الأساس في اعتماد العملة علي نطاق واسع وتداولها. فسهولة التعامل بهذه العملة هي ما يمكنها من التداول. بالنسبة لعملة " البيتكوين" وهي الأكثر شهرة بين العملات المشفرة فأنها قابلة للتقسيم، فالبيتكوين الواحد يقسم الي 100,000,000 ساتوشيز، هذا التقسيم لا يضمن فقط القابيلية للتجزئة وتقسمها الي وحدات أصغر، ولكن يضمن الحفاظ علي قيمة العملات المشفرة بحيث اذا ارتفع سعر البيتكوين الواحد فان القابيلية للتقسيم الي وحدات أصغر بقيمة أعلي تبقيه بعيدًا عن التضخم، بمعني أنه لو ارتفعت قيمة الدرهم الأماراتي مثلا فأن البنك المركزي الإماراتي سيقوم بتجزئية الدرهم الواحد الي 1000 فلس بدلا من 100 فيلس، وبذلك ترتفع القيمة الحقيقية للعملة دون الحاجة لإصدار عملات جديدة من البنك المركزي.
- قابلية النقل
تشكل قابلية تنقل المال من شخص إلى أخر أهم خصائص العملات عمومًا، لأن هذا هو الغرض الرئيسي والأساسي الذي دفع البشرية إلى اختراع العملة من الأساس، و تشير قابلية النقل إلى السهولة التي يمكن بها حمل العملات للاستخدام، والتنقل بها ونقلها إلى شخص أو مكان أخر، بالنسبة للعملات الورقية، فالتنقل بالاوراق النقدية أمر سهل نسبيًأ، لكنه بات صعب مع المتغيرات الزمانية والمكانية، فالتجارة العالمية تعتمد علي نظام التحويلات البنكية لتفادي ارتفاع الخدمات المصرفية، أكثر من تسلم الأوراق النقدية باليد لصعوبة الأمر، وبالتالي يظهر بشكل جلي تأثير التكنولوجيا.
بالنسبة للعملات المشفرة فأن قابلية التنقل هي ما يميزها من الأساس، فلا يحتاج أى شخص لنقل الأموال سوا الدخول الي محفظة العملات الرقمية الخاصة به من خلال كلمة المرور الخاصة به. ويقوم بنقل واستلام العملات بشكل بسيط وسهل، ولا يحتاج أكثر من وجود الأنترنت علي الهاتف المحمول.
- متانة العملة
يقصد بمتانة العملات قدرة العملات الورقية والحفاظ علي متانتها للفترة زمنية طويلة، فالبرغم من أن البنوك المركزية تلجئ للحيل من أجل الحفاظ علي متانة الأوراق النقدية، من خلال إصدار أوراق بلستكية بدلا من الورقية، أو إصدار عملة معدنية، لكنها تفشل غالبًا في هذا. فالعملات ما زالت قابلة للتمزيق، ناهيك عن أن العملة تتغير وتتبدل عبر الزمن وتهتري ويتم إعدامها وإصدار أوراق جديدة.
علي العكس من ذلك، فالعملات المشفرة لا تصدر أوراق ملموسة من العملة، وبديلا عن ذلك تستخدم البطاقات الائتمانية، وبهذه البطاقات يمكن شراء كافة الخدمات والسلع من الأنترنت ومن المحلات الأخرى التي تقبل التعامل بالعملات المشفرة، والتي تزداد مع الوقت. تتميز هذه البطاقات بانها غير قابلة للسرقة أو التزوير، وهو بعكس العملات الورقية التي يتم تزويرها وسرقتها في بعض الأحيان.
- قابلية التعرف
الاعتراف بنوع معين من المال هو العامل الأكبر أهمية علي الأطلاق من أجل تداوله بين الناس، بالنسبة للعملات الورقية فإن صكها من خلال الحكومة المركزية يخلق الاعتراف بها من قبل الأفراد الذين يعيشون في البلد الذي تسيطر عليه هذه الحكومة، فبمجرد أن يصدر البنك المركزي في هذا البلد عملة جديدة فان الناس يبدؤون التعامل بها علي الفور. وأى شخص يرفض التداول أو الشراء والبيع بهذه العملة، فإنه يتعرض للمسائلة القانونية، وهذا هو الشكل التقليدي للاعتراف بالنقود علي مدار عقود طويلة.
مستقبل العملات الرقمية
بالنسبة للعملات المشفرة الأمر علي العكس من ذلك، ليست هناك جهة حكومية واحدة بإمكانها أن تقول ما هي العملة الوحيدة المشروعة والقابلة للتداول. فما يجعل العملات المشفرة قابلة للتداول هو اعتراف الأفراد والشركات والهيئات بهذه العملة وقبولها والتعامل بها في التعاملات اليومية مع أولئك الذين يقبلون التعامل بها. من خلال المحافظ التي يمتلكونها للعملات المشفرة والتي تمكنك من تحويل العملة من حساب الى أخر بشكل أمن.
علي سبيل التوضيح فإنه اذا كان هناك شخص لديه سيارة يرغب في بيعها وشخص أخر يرغب في أن يشتري السيارة وشخص ثالث يقوم بصيانة هذه السيارة، وهم جميعهم يمتلكون محافظ للعملات المشفرة، فان الأول سيوافق علي بيع السيارة بالعملات المشفرة وسيشتري الثاني السيارة بالعملات المشفرة من خلال تحويل الأموال الي البائع، وعندما يذهب بالسيارة الي مركز الصيانة فأن مركز الصيانة سيقوم بما يلزم للسيارة وسيقبل الدفع بالعملات المشفرة، ولأن جميعهم لديهم مصلحة في استخدام العملات المشفرة وهو تفادي التكلفة المالية والرسوم علي كافة أشكال التعاملات الأخرى، فانهم سيقبلون التبادل بالعملات المشفرة. هذا هو الأمر بسهولة فاعتراف هؤلاء الأفراد الثلاثة بالعملة المشفرة وقبولها في التعاملات هو ما أوجد شرعية هذه العملات المشفرة، دون الحاجة لوجود حكومة واحدة تحدد ما هي العملة المقبولة وتلزم الأفراد باستخدامهم.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.