في وقت يتسارع فيه نمو سوق العملات المستقرة (Stablecoins) بوتيرة غير مسبوقة، تتصاعد المخاوف في الأوساط المالية الأمريكية من تداعيات محتملة تهدد الاستقرار الاقتصادي العام.
ومع بلوغ القيمة الإجمالية لهذه الأصول أكثر من 230 مليار دولار، بدأ صناع القرار في واشنطن بمناقشة مشاريع قوانين لتنظيمها، وسط تباين حاد بين المؤيدين والمعارضين.
عملات مستقرة تنمو بثبات.. ولكن تحت مجهر الرقابة
العملات المستقرة، وعلى رأسها USDT من تيثر وUSDC من سيركل، باتت تشكّل العمود الفقري للسيولة في أسواق العملات الرقمية، حيث يستحوذ تيثر وحده على حوالي 60% من السوق. ومنذ نهاية 2023، ارتفع حجم هذه الأصول بنسبة تقارب 90٪، مما لفت انتباه الهيئات التنظيمية ودوائر صنع القرار.
في هذا السياق، حذرت ليزا دي. كوك، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، من أن أي حالة ذعر في الأسواق قد تؤدي إلى عمليات بيع ضخمة لأصول الاحتياطي التي تدعم هذه العملات، خاصة إن كانت هذه الأصول مرتبطة بأسواق تقليدية كالسندات أو الأوراق المالية، مما قد يُحدث اضطرابات تتجاوز نطاق العملات الرقمية.
قانون GENIUS: محاولة لإرساء قواعد تنظيمية
رداً على هذه المخاوف، يعمل المشرّعون الأمريكيون على مشروع قانون يحمل اسم GENIUS Act، يُشرف عليه السيناتور الجمهوري بيل هاغرتي. القانون المقترح يُميّز بين مُصدري العملات المستقرة الخاضعين للرقابة الفيدرالية، وبين أولئك الذين تُشرف عليهم الهيئات التنظيمية على مستوى الولايات، شريطة أن تكون أصولهم أقل من 10 مليارات دولار.
ومن أبرز بنود القانون:
- منع استخدام الأصول غير السائلة مثل السندات التجارية في دعم العملات المستقرة.
- فرض قواعد صارمة على الاحتياطات المالية لضمان استقرار الأسعار.
- توسيع صلاحيات الرقابة الفيدرالية في حالات الطوارئ المالية.
انقسام سياسي: بين الأمن المالي والطموح العالمي للدولار
رغم التوجه التنظيمي، لا يبدو الإجماع السياسي قريبًا. فقد اعتبرت السيناتورة إليزابيث وارن أن المشروع الحالي يفتقر إلى الضمانات الكافية لحماية النظام المالي من الانهيار، محذرة من أن السماح لمصدري الستيبلكوين بالاستثمار في أصول محفوفة بالمخاطر قد يُعيد سيناريوهات الانهيارات المصرفية التي شهدتها الأسواق التقليدية.
كما عبّرت عن قلقها من أن عدم ضبط هذا القطاع قد يسهّل تمويل الإرهاب وتجاوز العقوبات الدولية، مشيرة بشكل خاص إلى دول مثل إيران، كوريا الشمالية وروسيا.
في المقابل، يرى مؤيدو القانون، مثل هوارد لوتنيك، وزير التجارة السابق في إدارة ترامب، أن التنظيم المنهجي للعملات المستقرة سيدعم هيمنة الدولار عالميًا، عبر تمكينه من دخول البنية التحتية للمعاملات الرقمية العابرة للحدود، بدلًا من ترك الساحة لأصول مثل اليورو الرقمي أو اليوان الصيني.
هل نحن أمام "ركض مصرفي رقمي" محتمل؟
السؤال الجوهري الذي يتردد في واشنطن اليوم هو: هل قد يؤدي استخدام واسع وغير منظم للعملات المستقرة إلى "bank run" رقمي، شبيه بما يحدث عندما يسحب الناس أموالهم فجأة من البنوك؟
الحذر مطلوب، ولكن بعض الخبراء يرون أن الدمج السليم بين الرقابة المرنة والبنية التكنولوجية للبلوكتشين يمكن أن يُحوّل العملات المستقرة إلى أدوات داعمة للنظام المالي، بدلًا من أن تكون عبئًا عليه.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
