مؤخرًا نزحت الكثير من شركات العملات المشفرة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية نحو دول تدعم الصناعة في قارة اسيا. مثل الإمارات العربية المتحدة ومقاطعة هونغ كونغ.
في حين يبرر الكثيرين هجرة شركات التشفير نحو دبي وهونغ كونغ بتنامي الضغوط التنظيمية في بعض الولايات القانونية. نناقش في هده المقالة، العديد من الأسباب التي تفسر الظاهرة!
أسباب دفعت كبرى شركات العملات المشفرة لمغادرة أمريكا وأوروبا واختيار الوجهات الآسيوية
1- الوضوح التنظيمي والسياسات الداعمة للتشفير في عدد من البلدان الآسيوية
وسط التدقيق التنظيمي المتزايد الذي تخضع له شركات العملات المشفرة في الولايات المتحدة ودول أوروبا، تتطلع شركات العملات المشفرة إلى السياسات التنظيمية المواتية في قارة آسيا وكذلك إلى السوق المتنامية كوجهة واعدة للنزوح.
من الطبيعي أن تبحث الشركات عن الظروف التنظيمية التي تسمح لها بالاستمرار وتحقيق الإيرادات من الاستثمار في صناعة معينة. ولذلك تميل شركات العملات المشفرة للاستقرار في الولايات القضائية التي تسمح لها بالأداء والنمو. وبعد ممارسات تعتبرها هذه الشركات قمعية في الولايات المتحدة وأوروبا، نزحت الكثير من شركات التشفير بما فيها أكبر بورصات تداول الأصول الافتراضية نحو الدول الآسيوية وفتحت مقرات رسمية لمزاولة عملها هناك، وسط بيئات تنظيمية مناسبة وأسواق كبيرة تعد بالازدهار.
ببساطة، بسبب السياسات الأمريكية التي تعتمد لحد الآن على "إجراءات الإنفاذ" بدل من الوصول إلى قوانين عادلة تنظم الصناعة. قررت عديد البورصات الهروب من البلاد بحثًا عن أفضل الموارد.
لكن هل حقًا توفر الدول الآسيوية قوانين عادلة للصناعة؟ وهل أسواقها أحسن حالًا من الأسواق الأوروبية والأمريكية؟ وهل القوانين التنظيمية المتساهلة هي السبب الوحيد للهجرة.
يمكننا الإجابة على السؤال الأخير من دون شرح ولا إطناب: القوانين التنظيمية المتساهلة ليست السر الوحيد وراء نزوح شركات التشفير نحو آسيا.
2- الثروة السكانية في آسيا (قارة يقطنها ما يصل إلى 59.9% من عدد سكان العالم -4.3 مليار نسمة-)
تضم قارة آسيا بلدانًا متنوعة ويسكن القارة أكثر من 4.3 مليار نسمة من سكان العالم (ما يقارب 60٪ من حجم البشرية). ولدعم تميز القارة من حيث السكان، فإن أغلب قاطنيها من الشباب الذي يميل نحو الإنفاق والاستثمار لمستقبله. وبذلك نجد أن التركيبة السكانية في آسيا ومعدلات تبني العملات المشفرة من قبل سكانها جعلتها وجهة جذابة لشركات الويب 3.
أيضا تشير الإحصائيات، أن العديد من الدول الاسيوية، مثل الإمارات العربية المتحدة، سنغافورة، ماليزيا وغيرها تتميز بارتفاع دخل الفرد والاستثمارات في المشاريع ذات القيمة العالية، مما جعلها تبرز كمركز لأعمال العملات المشفرة.
من خلال هذا العنصر، نجد أن الكثير من شركات التشفير اتخذت قرارات استراتيجية من خلال الاستثمار في آسيا. خاصة أن أكثر من ثلث مستخدمي العملات المشفرة موجودون في الصين فقط.
3- ازدهار الاستثمار في الويب3 في آسيا ونمو مستخدمي العملات المشفرة
تُظهر الأبحاث التي أجرتها منصة Blockdata أنه على الرغم من انخفاض العدد الإجمالي للاستثمارات التي تركز على بلوك تشين والعملات المشفرة في آسيا، فقد جمعت بعض الشركات أكثر من 100 مليون دولار من أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية البارزين.
على سبيل المثال، جمعت شركة Amber Group المختصة في استثمارات الأصول الرقمية، والكائنة في سنغافورة، 300 مليون دولار في الربع الأخير من عام 2022. كما حيث جمع بنك العملات المشفرة المحمول MinePlex حوالي 100 مليون دولار.
عمومًا، تباطئ تمويل مشاريع العملات المشفرة بعد انهيار نظام تيرا البيئي وإفلاس FTX في عام 2022 في آسيا. كما شهد الاستثمار في القارة انخفاضًا أقل حدة مما شهده سوق الولايات المتحدة.
لكن في المقابل، ارتفع مؤشر تبني واعتماد العملات المشفرة بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات في القارة. حيث احتلت البلدان الموجودة في آسيا ثمانية من أفضل 20 مركزًا في مؤشر اعتماد العملات المشفرة لعام 2022. كما شهدت فيتنام والفلبين والهند بعضًا من أكبر حجم تداول التجزئة على منصات التمويل اللامركزي (DeFi) والبورصات المركزية.
أيضًا، تم تصنيف هونج كونج على أنها المدينة الأكثر "استعدادًا للعملات المشفرة"، استنادًا إلى عدد الشركات الناشئة في مجال بلوك تشين وقرارها بإعفاء مكاسب العملات المشفرة من الضرائب.
في الواقع، ليس فقط التشريعات المواتية هي التي تدفع شركات التشفير نحو آسيا ولكن نشاط التداول الصعودي الصادر من هذه المنطقة يرتفع باستمرار.
4- انهيار الأسواق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية والضغوط التنظيمية في البلاد
قام بنك سيلفرغيت Silvergate الصديق للعملات المشفرة بإنهاء عملياته في مارس الماضي. ويفسر المحللين انهيار البنك العريق بعلاقاته مع بورصة FTX التي انهارت في نوفمبر 2022. على كل حال، تدخلت وحدة الاحتيال التابعة لوزارة العدل الأمريكية للتحقيق في إفلاس سيلفرغيت وعلاقة الأمر بـ FTX.
لم يكن بنك سيلفرغيت الوحيد الذي حظي بالأضواء خلال ربيع 2023. فقد أفلس بعده اثنان من أكبر البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية. تختلف الأسباب تقنيًا. لكن ترتبط الكثير من الشركات المالية (المركزية واللامركزية) ببعضها البعض. مما يعني أن انهيار أحدها سيجر ورائه الكثير من الإفلاسات اللاحقة في مؤسسات ذات صلة.
على كلٍ، تلى السقوط الدراماتيكي لسيلفرغيت، فشل بنك سيليكون فالي (Silicon Valley). كما تحركت الهيئات التنظيمية لإغلاق بنك سيجنتشر (Signature). وإذا كنت لا تزال تبحث عن علاقة فشل البنوك الأمريكية بنزوح شركات التشفير نحو الدول الآسيوية. فإليك الآتي:
يعتبر بنكي سيلفرغيت وسيجنتشر من أبرز المؤسسات التي تخدم صناعة الأصول الرقمية في الولايات المتحدة. مما يعني فقدان الكثير من المستخدمين وموارد العمل لشركات التشفير في البلاد والافتقار إلى مسارات الدفع.
وبينما يعطي الوضوح التنظيمي بعض الدول الاسيوية الأفضلية كوجهة لشركات الأصول الافتراضية والعملات المشفرة على الخصوص. تعرقل الضغوط التنظيمية في الولايات المتحدة شركات التشفير من الاستمرار بالعمل في البلاد.
لقد اتخذت هيئة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية (SEC) سلسلة من إجراءات الإنفاذ ضد شركات الأصول الرقمية في البلاد. إذ أخضعت بورصة كراكن لإغلاق خدمة التوقيع المساحي ودفع غرامة 30 مليون دولار. كما أغلقت العمليات في بورصة Bittrex بسبب مزاعم تشغيلها لبورصة أوراق مالية غير مسجلة. أيضا، تقاضي الهيئة بينانس بمزاعم خلط أموال العملاء مع ايراداتها والاحتيال. وكذلك تتهم كوين بيس ببيع أوراق مالية غير مسجلة.
وعلى صعيد تشريعي، تمت مناقشة مشروعي قانونين بارزين في مجلس النواب الأمريكي. لكن الطريق نحو تشريع واضح للعملات المشفرة في البلاد لا يزال بعيدًا جدًا. بالتالي يعتقد الكثيرون أن آسيا هي السوق الأكثر جدوى لشركات الأصول الرقمية لتنمية عملياتها.
ماذا تربح الدول المنفتحة على العملات المشفرة والويب 3؟
بينما تخنق الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة شركات العملات المشفرة والابتكار، حافظت الدول في آسيا على موقف إيجابي تجاه شركات الأصول الرقمية. وفي يونيو، نشرت سلطة النقد السنغافورية (MAS) إطارًا مقترحًا للأصول الرقمية، حتى أن شركات مثل ستاندرد تشارترد قامت بتطوير منصة عرض رمزية أولية لإصدار الرموز الأمنية المدعومة بالأصول المدرجة في بورصة البلاد.
وبطبيعة الحال، لا تدعم تلك الدول الآسيوية صناعة التشفير وبورصات العملات المشفرة (أو تسمح لها بالعمل على أراضيها على الأقل) من فراغ ولا لأنها لا تعرف مصالحها مثل الأمريكيين. بل العكس تمامًا. تدرك آسيا أن العملات المشفرة ستكون مستقبل المالية والتمويل.
وفي حين أن قضية النزوح نحو آسيا تبدو واردة، فإن السؤال الحقيقي هو كم عدد الشركات التي تضع الأساس فعلياً لهذا التحول؟ وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت بورصة جيميني عن خطط لتوسيع تواجدها في آسيا.
كما أطلقت بورصة بينانس فرعًا في اليابان وأعلنت بيتريكس مغادرة الأراضي الأمريكية. بالإضافة إلي ذلك، نشأت الآلاف من شركات العملات المشفرة في آسيا.
ما تقدمه هذه الصناعة لآسيا يجعلها أيضا تقبل بمخاطر قبول الصناعة على أراضيها. إلى جانب ذلك، عملت الدول الآسيوية، مثل الإمارات العربية المتحدة، سنغافورة وهونغ كونج على سن قوانين واضحة تحمي المستهلكين وتحمي سياساتها من مخاطر التشفير.
ولعل أبز ما تستفيد به هذه الدول من صناعات الويب3 بما في ذلك العملات المشفرة هو استقطابها لرؤوس الأموال وتحولها لوجهات اقتصاد بارزة على الساحة الدولية. زد لذلك أن هذه الشركات الناشئة في سوق التشفير والشركات التي قدمت للقارة بحثًا على سوق أكثر استقرارًا تخلق الوظائف وتساهم في تقليص نسب البطالة في آسيا.
أيضا، تقدم شركات العملات المشفرة، وبلوك تشين ،الويب 3 نوعًا جديدًا من الخبرات والتجارب الجديدة التي تستخدمها الدول في صناعات أخرى بما يخدم مصالحها. مثلًا تستخدم الإمارات العربية المتحدة بلوك تشين في العديد من المجالات تحت إشراف خبراء الصناعة الذين فروا من ولايات قضائية أخرى.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.