في المقال السابق، استعرضنا كيف تحولت عملة الميم ترامب $Trump إلى ساحة مضاربة شهدت صعودًا صاروخيًا أعقبه انهيار مفاجئ، تاركة آلاف المستثمرين الصغار أمام خسائر فادحة، بينما جنى عدد قليل من الحيتان أرباحًا هائلة.
فمنذ لحظة الإطلاق، كانت اللعبة محسومة لصالح الجهات التي خططت بعناية للاستفادة القصوى من اندفاع المتداولين.
ومع تركز معظم الرموز في أيدي عدد محدود من المستثمرين، كشفت البيانات عن توزيع غير عادل للأرباح، حيث كانت حصة الأسد من المكاسب من نصيب المحافظ الكبرى، في حين عانى المضاربون الصغار من خسائر قاسية.
لكن القصة لا تنتهي هنا.
فإلى جانب الأرباح التي جنتها الجهات المالكة من عمليات المضاربة، كشفت تحقيقات جديدة أن عملة Trump لم تكن مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب من ارتفاع الأسعار، بل كانت أيضًا مصدرًا ضخمًا لعوائد رسوم التداول.
خلال أقل من أسبوعين فقط، حقق المشروع ما يقارب 100 مليون دولار من هذه الرسوم، ما يثير تساؤلات حول طبيعة الجهات المستفيدة وآلية توزيع هذه العائدات.
في هذا الجزء الثاني من التحقيق، نسلط الضوء على هذه العوائد المالية الضخمة، ونتعمق في تحليل البيانات التي تكشف عن المستفيدين الحقيقيين من مشروع أثار جدلًا واسعًا في الأوساط المالية والسياسية.
في تحقيق نشرته وكالة رويترز يوم أمس 3 فبراير، كشفت تقديرات ثلاث شركات متخصصة في تحليل بيانات البلوكشين أن الجهات المسؤولة عن عملة الميم ترامب $Trump المرتبطة بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد جمعت ما يقرب من 100 مليون دولار من رسوم التداول خلال أقل من أسبوعين.
وتحقق هذا المكسب الضخم من مشروع شهد خسائر لعشرات الآلاف من المستثمرين الصغار.
عوائد ضخمة
وفقًا لتحليل بيانات البلوكشين الذي أجرته شركات متخصصة، من بينها Merkle Science وChainalysis لصالح وكالة رويترز، فقد ولّدت عملة ترامب $Trump بين 86 مليون دولار و100 مليون دولار من رسوم التداول بحلول 30 يناير، وهو رقم يفوق بكثير التقديرات السابقة.
تعد CIC Digital، وهي شركة مملوكة لترامب، واحدة من الجهات المستفيدة من هذه الرسوم، حيث يوضح الموقع الرسمي لعملة ترامب $Trump أن الشركة ستتلقى عوائد من رسوم التداول الناتجة عن أنشطة بيع وشراء العملة. ومع ذلك، لم تتمكن رويترز من تحديد نسبة العائدات التي حصل عليها ترامب شخصيًا أو الكشف عن الجهات الأخرى المستفيدة من رسوم التداول.
وتُشير التحليلات إلى أن مبتكري عملة الميم يحصلون على حصة من رسوم التداول عبر منصة Meteora، وهي بورصة للعملات الرقمية غير معروفة نسبيًا حيث تم طرح عملة ترامب $Trump لأول مرة.
وفقًا لـChainalysis، فقد حقق ما لا يقل عن خمسين من أكبر المستثمرين في العملة أرباحًا تجاوزت 10 ملايين دولار لكل منهم، بينما تكبد نحو 200 ألف محفظة رقمية، معظمها تضم مستثمرين صغارًا، خسائر كبيرة عند تداول العملة.
ولم تتمكن رويترز من تحديد حجم الثروة التي جناها ترامب من هذه الاستثمارات بسبب الطبيعة غير الشفافة لملكية هذه الأصول. وتشمل استثماراته الأخرى في العملات الرقمية مشروعات لامركزية للتمويل (DeFi) تعمل على تسهيل التداول دون وساطة البنوك، إضافةً إلى مجموعة من الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs).
ملكية غامضة لمشروع عملة الميم ترامب
تمثل عملات الميم فئة من الأصول الرقمية التي تستند إلى رموز أو اتجاهات شائعة على الإنترنت، وهي غالبًا ما تتسم بتقلبات حادة وقيمة استخدام محدودة. عملة ترامب $Trump، على سبيل المثال، طُرحت كمصدر لدعم الرئيس الأميركي في حملته بعد محاولة اغتياله خلال أحد التجمعات الانتخابية العام الماضي.
ولكن هوية المالكين الفعليين لهذه العملة غير واضحة، حيث تُدار من خلال شركات ذات مسؤولية محدودة يصعب تتبعها. وتُعد شركة Fight Fight Fight، المسجلة في ولاية ديلاوير، المالك الرسمي لموقع gettrumpmemes.com الخاص بالعملة.
ويُذكر أن وليام زانكر، أحد شركاء ترامب التجاريين، هو جهة الاتصال الرئيسية لشركة Fight Fight Fight وفقًا لسجلات التسجيل، لكنه لم يرد على طلبات التعليق.
ووفقًا للموقع الرسمي للعملة، فإن Fight Fight Fight مملوكة من قبل CIC Digital وشركة أخرى تُدعى Celebration Cards، التي تحصل أيضًا على عائدات من رسوم تداول العملة. لكن هوية مالكي Celebration Cards لا تزال غير معروفة.
يشير الموقع إلى أن إجمالي عدد عملات ترامب $Trump المطروحة للبيع سيصل إلى مليار وحدة خلال 36 شهرًا. في المرحلة الأولى، تم إصدار 200 مليون وحدة وتحويلها إلى ثلاث محافظ رقمية، وفقًا لتحليل البلوكتشين. وتشير البيانات إلى أن Fight Fight Fight وCIC Digital تمتلكان الـ800 مليون المتبقية، والتي تقدر قيمتها بحوالي 16 مليار دولار عند السعر الحالي البالغ 20 دولارًا لكل وحدة.
أفادت Merkle Science بأن المحافظ الثلاث التي تلقت العملات في البداية لم تقم بشرائها، بل تم منحها لها مباشرة من قبل المطورين. وأكدت Chainalysis، بناءً على تحليلها، أن عناوين هذه المحافظ الثلاث تعود إلى مُنشئي عملة ترامب $Trump.
رسوم التداول وآلية جني الأرباح في عملة ترامب
بدأت المحافظ الثلاث التداول عبر منصة Meteora، هي منصة تمويل لامركزي (DeFi) مبنية على بلوكتشين سولانا متخصصة في تداول و إطلاق عملات الميم.
يدفع المتداولون على Meteora رسومًا لمُنشئي العملة الرقمية مقابل توفير السيولة، حيث يضع المطورون جزءًا من أصولهم في ما يُعرف بـمجمعات السيولة، مما يتيح عمليات التداول بسلاسة.
تشير منصة Meteora إلى أنها تتيح للمطورين إطلاق عملة ميم وكسب رسوم مدى الحياة. كما أن المنصة نفسها تجني رسومًا من التداولات.
صرّح بن تشاو، المؤسس المشارك لـ Meteora، عبر دردشة في تطبيق تيليجرام، بأنه لا يعرف شيئًا عن الفريق الذي يقف وراء عملة ترامب.
وعند سؤاله عن دور المنصة في إطلاق العملة، أجاب: لم أتعامل مباشرة مع الفريق. وأضاف: الفريق تواصل مع شريكي المؤسس، المعروف باسم Meow. ولم تتمكن رويترز من الوصول إلى الأخير.
تتغير رسوم التداول على المنصة وفقًا لتقلبات السوق، حيث تعتمد على نموذج التسعير المتغير، الذي يزيد الرسوم مع زيادة الطلب.
قدّرت Merkle Science أن المحافظ الثلاث حققت 86 مليون دولار من رسوم التداول بين 17 و30 يناير. ووفقًا لتحليل Chainalysis، فإن العائدات بلغت حوالي 94 مليون دولار.
وأكدت شركة تحليل بلوكتشين ثالثة، طلب مؤسسها عدم الكشف عن هويته، أن إجمالي رسوم التداول المحققة حتى 29 يناير قُدّر بنحو 100 مليون دولار.
خلاصة القول
تكشف قصة عملة الميم ترامب "Trump" عن الوجه الحقيقي لمضاربات العملات الرقمية، حيث تتحول هذه الأصول إلى أدوات لجني الأرباح السريعة على حساب المستثمرين الصغار. فمنذ لحظة إطلاقها، أظهرت العملة نموذجًا متكررًا في عالم عملات الميم: صعود مفاجئ مدفوع بالحماس الجماهيري، تليه عمليات بيع منظمة تستفيد منها قلة قليلة من الحيتان، بينما يُترك المضاربون الأفراد لمواجهة خسائر فادحة.
ومع سيطرة كيانات مجهولة على النسبة الأكبر من المعروض، لم تكن احتمالات الربح متاحة للجميع، بل كانت محسومة مسبقًا لصالح الجهات التي تمتلك النفوذ والموارد.
وعلاوة على ذلك، يكشف التحقيق الثاني عن آلية أخرى لجني الأرباح، ليس من المضاربة وحدها، بل من العوائد الضخمة لرسوم التداول، التي تجاوزت 100 مليون دولار في غضون أيام.
هذه العوائد، التي تم تحصيلها من كل عملية شراء وبيع، تؤكد أن المشروع لم يكن مجرد عملة ميم عابرة، بل أداة مالية صُممت لجذب الأموال من التداولات المتكررة، بغض النظر عن المكاسب أو الخسائر التي تكبدها المستثمرون.
العبر المستخلصة:
- عملات الميم ليست استثمارًا آمنًا: على الرغم من الوعود بتحقيق ثروات سريعة، فإن هذه العملات غالبًا ما تكون أداة للمضاربة العشوائية، حيث يستفيد القلة بينما يخسر الأغلبية.
- غياب الشفافية يؤدي إلى استغلال المستثمرين: عدم وضوح هوية الجهات المالكة أو آلية توزيع الأرباح يجعل هذه المشاريع بيئة خصبة للتلاعب والتربح على حساب المتداولين الصغار.
- أهمية الوعي المالي: ينبغي على المستثمرين فهم طبيعة المخاطر قبل الانجراف وراء الضجيج الإعلامي، فالدخول إلى أسواق العملات الرقمية دون استراتيجية واضحة قد يؤدي إلى خسائر فادحة.
- الرسوم المخفية قد تكون مصدر الأرباح الحقيقي: في بعض المشاريع، لا تكمن الأرباح فقط في ارتفاع السعر، بل أيضًا في العمولات ورسوم التداول، التي قد تُدر ملايين الدولارات حتى في ظل تقلبات السوق.
- الحذر من المشاريع المرتبطة بشخصيات سياسية أو مشهورة: مثل هذه المشاريع غالبًا ما تستغل شعبية الشخص المعني لجذب المستثمرين، لكن ذلك لا يعني أنها استثمارات مشروعة أو عادلة للجميع.
في النهاية، تُعيد هذه القصة التأكيد على ضرورة الحذر والبحث العميق قبل الاستثمار في أي أصل رقمي، فليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل صعود مفاجئ فرصة حقيقية للربح.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.