في كل مرة تشهد عملة ميم جديدة صعودًا صاروخيًا، يتكرر السيناريو نفسه: قلة قليلة من الحيتان تحقق أرباحًا خيالية، بينما يجد المتداولون الأفراد أنفسهم في الطرف الخاسر من المعادلة. قصة عملة الميم ترامب Trump ليست استثناءً، بل هي درس صارخ في كيفية استغلال الحماس الجماهيري لتحقيق مكاسب سريعة على حساب المضاربين الصغار.
فعندما أعلن دونالد ترامب عن إطلاق عملته الرقمية، اندفع آلاف المستثمرين لشرائها، دون أن يدركوا أن اللعبة قد حُسمت سلفًا لصالح من سبقهم بخطوات. في غضون دقائق، ارتفع سعر العملة إلى مستويات خيالية، لكن قبل أن يتمكن معظم المتداولين من الاستفادة، كانت المحافظ الكبرى قد استولت على النصيب الأكبر من الأرباح.
هذه الحادثة التي كشف تفاصيلها تحقيق من وكالة بلومبرغ، تعكس حقيقة مؤلمة عن عملات الميم: أنها أقرب إلى القمار منها إلى الاستثمار، حيث يكون المتأخرون دائمًا هم الخاسرين، بينما تذهب الأرباح لمن خططوا مسبقًا لاصطياد الفرصة.
بداية اللعبة
في الساعة التاسعة مساءً من يوم 17 يناير، أعلن دونالد ترامب، الرئيس المنتخب آنذاك، عبر منصة TruthSocial لمتابعيه الذين يزيد عددهم عن 8 ملايين، عن إطلاق عملة الميم الرقمية الخاصة به. حملت العملة اسم "Trump"، وكانت تحمل صورةً له تم التقاطها بعد محاولة اغتيال فاشلة العام الماضي، حيث يظهر رافعًا قبضته اليمنى بنظرة تحدٍّ.
رسالة ترامب على TruthSocial، التي جاءت قبل أيام فقط من تنصيبه الثاني، كانت واضحة: "حان الوقت للاحتفال بكل ما نمثّله: الفوز!".
في غضون دقائق، بدأ آلاف المضاربين بشراء العملة الجديدة عبر منصة تُدعى Meteora. وأدى هذا الإقبال المحموم إلى دفع السعر لأكثر من 70 دولارًا، مما رفع القيمة السوقية للرموز المتداولة إلى ما يقارب 15 مليار دولار.
ولكن قبل أن يتمكن معظم المستثمرين من بدء التداول ، قام 21 من "حيتان" العملات الرقمية – وهم المتداولون الذين اشتروا ما لا يقل عن 500,000 رمز في الساعة الأولى من إطلاق العملة – بشراء وبيع ملايين الرموز مع ارتفاع السعر.
خلال الدقائق الأولى من التداول، شكّلت هذه المحافظ الجزء الأكبر من العمليات. ووفقًا لتحليل أجرته وكالة Bloomberg News لملايين العمليات، فقد حققت تلك المحافظ أرباحًا تُقدّر بنحو 214.3 مليون دولار خلال أول 48 ساعة من وجود العملة.
وكانت هذه الأرباح موزعة بشكل غير متساوٍ بين الحيتان، حيث حقّق أحد التجمعات الكبرى من المحافظ المرتبطة مبلغًا ضخمًا يصل إلى 170 مليون دولار.
عملات الميم: مخاطرة عالية وعوائد غير متساوية
الهدف الأساسي لعملات الميم في سوق العملات الرقمية هي المضاربة أو بتعبير أدق "المقامرة"، حيث لا تمتلك هذه الأصول غالبًا أي قيمة جوهرية تتجاوز الأرباح التي يتوقع المستثمرون جنيها من المضاربة عليها.
وعلى الرغم من الوعود العلنية للعملات الرقمية بـ"ديمقراطية" النظام المالي، إلا أن عملات الميم غالبًا ما تكون خيارًا خاسرًا للمشترين الصغار، بينما تحقق أرباحًا ضخمة لمُصدريها وعدد قليل من المتداولين ذوي الموارد القوية.
و هذا ما يتجلى في عملة ميم ترامب، حيث يمتلك كيانان مرتبطان بترامب – وهما CIC Digital و Fight Fight Fight LLC – حوالي 80% من إجمالي العرض المتداول للعملة، وفقًا للموقع الرسمي، حيث سيتم تحرير هذه الحصة على مدار ثلاث سنوات.
هذا الأمر يثير مخاوف بشأن الضغوط المستقبلية على السعر في حال قررت هذه الجهات بيع كميات كبيرة من العملة.
"شويانو كونغ"، المؤسس المشارك لمشروع MegaETH القائم على البلوكتشين قال: "من غير الطبيعي تمامًا أن يتم تخصيص 80% من إجمالي العرض للمؤسسين".
وأضاف: "في الواقع، تأخذ عملات الميم الفخر في الإطلاق العادل، حيث لا يُسمح لأي أطراف داخلية بالحصول على الرموز قبل الإطلاق".
مكاسب ضخمة لمجموعة إطلاق عملة ترامب "المجهولة"
خلال الدقائق الأولى من التداول، شكلت هذه المحافظ الجزء الأكبر من المعاملات، حيث بلغت أرباحها الجماعية حوالي 214.3 مليون دولار في غضون 48 ساعة فقط، وفقًا لتحليل بلومبرغ. وكان التوزيع غير متكافئ؛ إذ حققت مجموعة واحدة فقط من المحافظ، المعروفة باسم "المجموعة أ"، أرباحًا بلغت 170 مليون دولار، وفقًا لتحليل Bloomberg News.
"المجموعة أ" تداولات في التوقيت المثالي، يدعو إلى الشك في المهرة الفائقة لأصحابها أو حظهم الجميل.
أولًا، استقبلت محفظة واحدة – "المحفظة أ" – تحويلات بلغ مجموعها حوالي 1.1 مليون دولار من عملة USDC المستقرة قبل ساعتين من إعلان ترامب عن العملة.
وبعد نحو 90 ثانية من نشر الإعلان على TruthSocial، اشترت هذه المحفظة 6 ملايين رمز من Trump بسعر 18 سنتًا للوحدة، أي ما يعادل 6% من إجمالي العرض البالغ 100 مليون رمز.
بعد دقائق قليلة، حوّلت "المحفظة أ " جميع رموز Trump إلى محفظة جديدة – "المحفظة ب". ثم قامت الأخيرة بإرسال الرموز إلى عدة محافظ أخرى بمعدلات بلغت مئات الآلاف من الرموز في الدقيقة الواحدة.
وخلال اليومين التاليين، نفذت هذه المجموعة من المحافظ عمليات بيع دورية بقيمة ملايين الدولارات، تزامنًا مع وصول الأسعار إلى ذروتها عند 78 دولارًا في 19 يناير.
لاحقًا في اليوم نفسه، ومع تراجع الأسعار عن أدنى مستوياتها اليومية لتستقر عند حوالي 75 دولارًا، وهو مستوى قريب من الذروة، قامت المحافظ المكونة لـ"المجموعة أ" ببيع حوالي 1.7 مليون رمز خلال ثلاث ساعات. كما قامت "المحفظة ب" وحدها ببيع 650,000 رمز Trump خلال ثلاث دقائق فقط.
على النقيض، تُظهر التحليلات أن المتداولين الذين دخلوا السوق في وقت متأخر كانت فرص ربحهم أو خسارتهم أقرب إلى رهان غير مضمون.
خسائر صغار المستثمرين في عملة الميم ترامب
حسب بيانات منصة ـChainalysis، فقد حقق ما لا يقل عن 50 من كبار المستثمرين في هذه العملة أرباحًا تجاوزت 10 ملايين دولار لكل منهم، بينما تكبد ما يقارب 200,000 محفظة عملات رقمية، معظمها تحتوي على استثمارات صغيرة، خسائر على منصة التداول.
فخلال أول يومين من التداول، خسر أحد المشترين ما يصل إلى 5 ملايين دولار، وفقًا لتحليل Bloomberg News، بينما أظهرت محفظة أخرى تحقيق مكاسب تجاوزت 85 مليون دولار.
كان القاسم المشترك بين الخاسرين والرابحين هو وتيرة التداول العالية، إذ إن المحافظ التي تكبّدت أكبر الخسائر وتلك التي حققت أعلى العوائد نفذت جميعها آلاف العمليات خلال فترة زمنية قصيرة.
قال روب هاديك، الشريك العام في صندوق رأس المال المغامر Dragonfly المتخصص في العملات الرقمية:
"العديد من الحيتان في سلاسل الكتل هم متداولون محترفون وصناديق تداول ب تمتلك استراتيجيات الخوارزميات التداول الآلي تسمح لها بشراء الإصدارات الجديدة بسرعة في حال استوفت شروطًا معينة، غالبًا ما تتعلق بالزخم والسيولة، ثم بيعها عند تحقيق نسبة محددة من الأرباح أو بلوغ مستوى معين".
عائدات ضخمة من الرسوم والعمولات
الأمر لا ينتهي هنا، فحسب تحقيق من وكالة رويترز فقد جمعت الجهات المسؤولة عن عملة الميم الرقمية الخاصة بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ما يقارب 100 مليون دولار من رسوم التداول خلال أقل من أسبوعين، وفقًا لتقديرات ثلاث شركات متخصصة في تحليل سلاسل الكتل (البلوكتشين). مما يشير إلى عائدات ضخمة من مشروع تسبب في خسائر لعشرات الآلاف من المتداولين الصغار.
لكن، هذا سوف نتحدث عنه في المقالة القادمة.
خلاصة القصة
في النهاية، تكشف قصة عملة الميم ترامب Trump عن الوجه الحقيقي لهذه الظاهرة: وعود براقة تخفي وراءها لعبة يتحكم بها الكبار، بينما يدفع الصغار الثمن. في عالم العملات الرقمية، لا تُصنع الثروات من الفراغ، بل تنتقل من جيوب المتحمسين إلى حسابات المخططين. فهل يكون الدرس القادم أقل كلفة؟
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
