تجاوزت عملة البيتكوين مستوى قياسي جديد تخطى حاجز 105,800 دولار، بعد تصريحات للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أكّد فيها عزمه إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين، مشابه لاحتياطي النفط. هذه الخطوة أثارت اهتمامًا عالميًا، حيث تفكر دول أخرى في اعتماد أصول رقمية ضمن احتياطاتها الوطنية.
لكن هذه الفكرة لا تبدوجيدة في نظر الكثير من الخبراء الذي يساءلون عن واقعيتها وسط تقلبات العملات المشفرة ومخاطرها التنظيمية والأمنية.
ارتفع التفاؤل في السوق بعد تصريحات ترامب الأخيرة لقناة سي إن بي سي CNBC والتي أكد خلالها أنّ الولايات المتحدة لن تسمح لدول أخرى، مثل الصين، بالتفوق في سوق الأصول الرقمية. وعندما سُئل عن إمكانية إنشاء احتياطي استراتيجي للبيتكوين يشبه احتياطي النفط، أجاب: نعم، أعتقد ذلك.
هذا التوجه يأتي في ظل إدراك الإدارة الجديدة أنّ العملات الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين. قد تمثل بديلاً مستقبلياً عن الاحتياطيات التقليدية من الذهب والعملات الأجنبية، خاصة مع تزايد اعتماد دول أخرى على الأصول المشفرة.
تفاصيل المبادرة الأمريكية
في يوليو الماضي، خلال مؤتمر البيتكوين 2024 في ناشفيل، أيد ترامب فكرة إنشاء احتياطي بيتكوين استراتيجي، مؤكدًا أن إدارته ستحتفظ بجميع البيتكوين التي تمتلكها أو تكتسبها الحكومة الأمريكية.
كما قدمت السيناتور سينثيا لوميس مشروع قانون يُعرف بـقانون البيتكوين، يدعو الولايات المتحدة إلى شراء ما يصل إلى 200,000 بيتكوين سنويًا على مدى خمس سنوات، أي ما يعادل 5% من إجمالي المعروض من العملة.
وفقًا للخطة، سيتم تخزين البيتكوين في شبكة لامركزية من خزائن آمنة تديرها وزارة الخزانة الأمريكية. وسيتم شراء العملة الرقمية باستخدام موارد الاحتياطي الفيدرالي الحالية مثل السندات والقروض والذهب.
اهتمام دولي بإنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين
لا تقتصر الفكرة على الولايات المتحدة، حيث ظهرت دعوات في دول أخرى. لدراسة تأسيس احتياطيات من أصول رقمية أو على الأقل وضع أطر تنظيمية تعزز مكانة البيتكوين في أنظمتها المالية.
- البرازيل: طرحت الحكومة البرازيلية مشروع قانون يسمح بإنشاء احتياطي وطني من البيتكوين. يُقترح أن يمثل حوالي 5% من احتياطيات البرازيل الدولية.
- بولندا: دعا المرشح الرئاسي سوافومير مينتزن إلى إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين. كجزء من رؤيته لتحويل بولندا إلى مركز عالمي للعملات المشفرة، مع قوانين ضريبية مشجعة وتشريعات داعمة لتبني العملات الرقمية.
- روسيا: اقترح عدة مشرعين روس إنشاء مخزون من العملات المشفرة في خزانة الدولة، رغم المعارضة من بعض المسؤولين. كما نجح المشرعون في تمرير قوانين تُشرّع تعدين العملات المشفرة واستخدام الأصول الرقمية في المدفوعات الدولية.
- اليابان: دعا النائب شون واتانابي إلى دراسة إمكانية إنشاء احتياطي من البيتكوين كجزء من استراتيجية اليابان للتحول الرقمي وتعزيز الاقتصاد الرقمي.
المخاطر والتحديات: لماذا يرفض الخبراء فكرة إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين؟
رغم الحماسة السائدة، دعا محللون، إلى توخي الحذر، مشيرين إلى أنّ إنشاء احتياطي وطني من البيتكوين لن يحدث بين ليلة وضحاها. وسيحتاج إلى تنسيق وتشريعات واضحة.
واجهت هذه الفكرة معارضة قوية من قبل خبراء ماليين ومسؤولين دوليين بسبب المخاطر المرتبطة بها، من تقلبات الأسعار إلى التحديات التنظيمية والأمنية.
التقلبات الكبيرة: رهان محفوف بالمخاطر
يُعد تقلب سعر البيتكوين أحد أبرز المخاوف. يشير ستيفن إينيس، الشريك الإداري في "SPI Asset Management"، إلى أن "الاعتماد على البيتكوين كأصل احتياطي يشبه الرهان على سوق شديدة التقلب. قد ترتفع قيمته بسرعة، لكنها قد تنهار بنفس السرعة، مما قد يضع الدول في وضع مالي خطير".
على سبيل المثال، تراجعت قيمة البيتكوين من نحو 68,000 دولار في نوفمبر 2021 إلى ما دون 20,000 دولار في غضون أشهر. هذا الانخفاض الحاد يُظهر هشاشة البيتكوين مقارنةً بالأصول التقليدية مثل الذهب أو العملات الأجنبية، التي تتمتع باستقرار نسبي.
تحفظ المؤسسات المالية الدولية
أعرب تقرير صندوق النقد الدولي (IMF) عن قلقه من استخدام البيتكوين في الاحتياطيات الوطنية. مشيرًا إلى أنه قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي. في تقرير حديث، ذكر الصندوق أن "الاعتماد على البيتكوين كاحتياطي يمكن أن يعرّض الاقتصادات الناشئة لمخاطر مالية كبيرة بسبب التقلبات وصعوبة التنظيم".
في حالة السلفادور، التي اعتمدت البيتكوين كعملة قانونية، حثّ الصندوق الحكومة على التراجع عن هذه الخطوة.
وقال غارينشيا جاستريل، الخبير الاقتصادي في الصندوق: "هذه السياسات تضع الاستقرار المالي على المحك. وتزيد من احتمالات تعرّض النظام النقدي لهزات غير متوقعة".
عقبات تنظيمية وسياسية
يشير مايكل نوفوغراتز، الرئيس التنفيذي لشركة "Galaxy Digital"، إلى أن "إدخال البيتكوين كجزء من الاحتياطيات الوطنية سيواجه عقبات تنظيمية كبيرة، خاصة في الدول التي تعتمد على سياسات نقدية صارمة". وأضاف: "من الصعب إقناع المؤسسات الحكومية بتبني أصل لا يخضع لإشراف مركزي ولا يمكن التنبؤ بتقلباته".
في الولايات المتحدة، ما زالت الفكرة بعيدة عن التحقق، إذ يرفض العديد من أعضاء الكونغرس تبني البيتكوين كجزء من الاحتياطيات الاستراتيجية بسبب المخاوف الأمنية والاقتصادية.
عملة غير عملية في أرض الواقع
بالرغم من اعتماد السلفادور للبيتكوين كعملة رسمية، تشير الاستطلاعات إلى أن غالبية السكان يفضلون الدولار الأمريكي. أظهر مسح أجرته جامعة "Central American University" أن 91% من السلفادوريين لم يستخدموا البيتكوين في معاملاتهم اليومية. وعلّق الخبير الاقتصادي ريكاردو كاستانيدا قائلاً: "البيتكوين كعملة احتياطية يفقد معناه عندما يرفض المواطنون استخدامها في حياتهم اليومية".
المخاوف الأمنية والاستخدامات غير المشروعة
يثير البيتكوين أيضًا مخاوف بشأن استخدامه في الأنشطة غير المشروعة مثل غسيل الأموال والتهرب الضريبي. وفقًا لـ جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، فإن "العملات الرقمية مثل البيتكوين تُستخدم في أنشطة غير قانونية. وهذا يفرض تحديات كبيرة على الدول التي تفكر في اعتمادها كجزء من احتياطياتها".
خلاصة
بين التفاؤل الذي يحيط بفكرة إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين والشكوك التي يطرحها الخبراء، تظل هذه الخطوة مغامرة محفوفة بالمخاطر. التقلبات الحادة والتحديات التنظيمية تجعل من الصعب اعتماد البيتكوين كأصل احتياطي مستقر.
رغم تبني بعض الدول لخطط مماثلة، يبقى النجاح مرهونًا بمدى قدرة الحكومات على مواجهة المخاطر المرتبطة بالعملة الرقمية. في ظل هذه الظروف، يبدو أن فكرة الاحتياطي الوطني من البيتكوين ما زالت بعيدة عن التطبيق الواقعي على المدى القريب.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
