ديفيد تشوم ليس فقط مخترع النقد الرقمي، بل هو ملهم التشفير والأب الروحي للعملات المشفرة. حيث ألهم ابتكاره المتعلق برقمنة الاقتصاد مجموعة Cypherpunks التي استطاعت تطوير عملة البتكوين BTC. في هذا المقال نتساءل عن من هو ديفيد تشوم؟ لكن الأهم يكمن فيما قدمه للكريبتو؟
ولد ديفيد لي تشوم عام 1955 في الولايات المتحدة الأمريكية. وحصل على درجة الدكتوراة في علوم الكمبيوتر وإدارة الأعمال من جامعة بيركلي بكاليفورنيا. كما يعتبر تشوم والد الاقتصاد الرقمي الذي حظي بحياة مهنية واسعة كأستاذ وباحث ومطور لبروتوكولات التشفير. حيث أنه يعتبر أحد أعظم مصممي التشفير في العالم والأب الروحي للعملات المشفرة.
عندما كان التشفير ذخيرة عسكرية، عرف تشوم أنه ضرورة لكل قطاع في المستقبل
في أواخر السبعينيات، نظمت حكومة الولايات المتحدة التشفير باعتباره ذخيرة عسكرية إلى جانب التكنولوجيا النووية. و لم يكن ذلك بالجديد. فلطالما كان التشفير ذا أهمية حيوية في الحرب. حتى أن فك الحلفاء لتشفير الرسائل السرية للنازيين أدى إلى تغيير مسار الحرب العالمية الثانية.
لكن اختراع عام 1976 المتعلق بتشفير المفتاح العام الذي سمح بمشاركة المعلومات بين طرفين (نظير لنظير) بدون مفتاح تشفير وفك تشفير متبادل (والذي لا يمكن اختراقه أو اعتراضه) أزال احتكار الحكومات للتكنولوجيا.
وهو ما كان غير مباح وقتها. خاصة أن وكالة الأمن القومي اتخذت موقفًا مفاده أن علم التشفير وُلِد سريًا و يجب أن يبقى كذلك. وكل من يقوم باستخدامه يعتبر مسلحاً بسلاح نووي. حتى أنه في عام 1980 لم يكن مسموحا بعقد مؤتمرات حول التشفير وتعرض الأشخاص الذين فكروا في تنظيمها للمحاكمة و العقاب.
كطالب دراسات عليا في علوم الكمبيوتر في جامعة بيركلي بكاليفورنيا في عام 1977. استوعب ديفيد تشوم أهمية استخدام التشفير لحماية الخصوصية للعالم الرقمي القادم. و أدرك حينها أن التكنولوجيا ستكون ضرورية لضمان استمرار الخصوصية والديمقراطية في العصر الرقمي.
لكنه كان يحتاج لايجاد اطار جديد لتطبيق التشفير حيث لا يتعرض للسجن. ثم أدرك أنه من المهم تنظيم مؤتمر حول التشفير. حيث كانت النتيجة هي إنشاء الرابطة الدولية لأبحاث التشفي، والتي تولت بدورها مسؤولية تنظيم المؤتمرات حول علم التشفير في سانتا باربرا (كاليفورنيا).
وبالفعل تم تنظيم مؤتمر سنوي تحت اسم كريبتو CRYPTO أول مرة في عام 1981. و حضر مؤتمرات CRYPTO السنوية تلك متخصصون يتمتعون بمعرفة عالية في المجال.
ادراج التشفير في الشؤون العامة، بداية التمرد
وفي مؤتمر CRYPTO لسنة 1982، قدم ديفيد تشوم ورقة من شأنها أن تكون بذرة أول بروتوكول نقدي رقمي باستخدام "الهوية الالكترونية المستعارة".حيث سمح اقتراحه بإنشاء نظام دفع رقمي قائم على التشفير يقدم مفهوم التوقيع الأعمى.
كما كان تشوم أول شخص يصف النقود المشفرة في ورقته البحثية عام 1983. حيث شرح فيها اختراعه المسمى "التوقيعات العمياء لمدفوعات لا يمكن تعقبها" وهي نوع من التوقيع الرقمي المستخدم في البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى. ثم أدى ذلك إلى إنشاء الدفع الالكتروني E-cash قصير الأجل من قبل شركته DigiCash.
حيث في عام 1990، أنشأ تشوم شركة DigiCash Inc، التي سعت لإنشاء خدمات الأموال الإلكترونية والتي تنفذ أبحاثها الخاصة. قامت هذه الشركة بتطوير نسخة e-Cash المحسنة من نظام الدفع الرقمي المشفر. أين تعاون تشوم مع مصممي التشفير ذوي الصلة مثل ايريك هوغاس Eric Hughess و نيك سزابو Nick Szabo لتنفيذ المشروع.
بعدها، و في 1994 تم تنظيم المؤتمر الأول لشبكة الويب العالمية WWW94 الذي عقد في جنيف السويسرية. خلال ذلك، أعلن ديفيد تشوم وشرح، لأول مرة، كيف سمح مشروع e-Cash بإجراء مدفوعات بأموال إلكترونية من خلال أجهزة الكمبيوتر وباستخدام البرامج فقط.
كانت ضمان الخصوصية هي المبتغى من التشفير. وقد أدرك تشوم مبكرا أن استخدام التشفير هو الطريقة الوحيدة للحد من المراقبة (مثل الاستماع إلى المحادثات أو اعتراض البريد) و أنه سيكون وسيلة فعالة لحماية الخصوصية في الفضاء الإلكتروني. ومع الرقمنة، لم تعد المراقبة بحاجة إلى أن تكون نشطة، حيث يمكن البحث عن البيانات بسهولة أكبر، والمراجع التبادلية وتخزينها لاستخدامها لاحقًا.
في الآونة الأخيرة ، أسس شبكة xx Network ، وهي عبارة عن بلوك تشين تركز على الخصوصية والتي يأمل برنامج xx Messenger لتشوم المتصل بها أن تصمد أمام الهجمات حتى من خلال أجهزة الكمبيوتر الكمومية في المستقبل.
تأسيس حركة cypherpunks التي ساهمت في تطوير العملات المشفرة
من بين أبرز الأوراق البحثية التي قدمها تشوم هي مقالته التي صدرت عام 1985 بعنوان "Security without Identification: Transaction Systems to Make Big Brother Obsolete". يُشار إلى تلك المقالة على أنها قدمت الشرارة لتأسيس مجموعة تركز على الخصوصية في عام 1992. من أطلقت على نفسها اسم Cypherpunks.
نشأت حركة Cypherpunks في أواخر الثمانينيات. كذلك أخذت أفكار تشوم كمصدر الهام لدعم نوع جديد من الاقتصاد الذي يعتمد علي التكنولوجيا و الرياضيات. بالنسبة إلى الحركة، كانت العملة المشفرة في صميم الرؤية حول كيفية تسبب التكنولوجيا في إحداث تغيير اجتماعي وسياسي شامل. بالإضافة إلى إضعاف قوة الحكومات والمؤسسات القائمة.
إذًا، كان "النقد الرقمي المجهول" أحد الأجزاء الرئيسية في اقتراح تشوم والذي اعتبره بديلاً للعملات المدعومة من الحكومة. لكن، من الجدير بالذكر أن بعض مصممي التشفير، مثل ماثيو دي جرين، قد أعربوا عن مظالمهم مع كلمة "تشفير" التي تدل على العملة المشفرة، وحتى تتلوث بها حسبهم.
يأخذ تشوم وجهة النظر المعاكسة للمناهضين لعبارة "تشفير". فهو يجد أنه أمر مثير للغاية رؤية كلمة "تشفير" تحصل على حياة جديدة. حيث تساهم في دمج التقنيات التي كانت موجهة لمجال التسليح، وتسمح للعامة بالاستفادة من تقنيات التكنولوجيا التي احتكرتها الحكومات كثيرا.
رغم المحاولات الكثيرة لمجموعة Cypherpunks. إلا انهم باءوا بالفشل في موضوع النقد الرقمي. حتى ظهرت ورقة البيتكوين البيضاء من قبل ساتوشي ناكاموتو في عام 2008.
عندما نشر ساتوشي الورقة البيضاء، سارع هال فيني للاتصال بالمبتكر مجهول الهوية. وبينهما تم إجراء أول معاملة بيتكوين في 9 يناير 2009. استخدم في تلك المعاملة التوقيع المشفر و الهوية المستعارة. و بذلك أصبح ديفيد تشوم عرّاب العملات المشفرة.
حاليا لا يزال تشوم يدير مشاريع لها علاقة بالتشفير. على غرار Praxxis و هو مشروع يقترح عملات كمومية مقاومة للكمبيوتر والتي ستستخدم البنية التحتية التي تم إنشاؤها في Elixxir.
كفاح تشوم من أجل الخصوصية
عند مراجعة أوراق ديفيد تشوم البحثية، نجد النتيجة واضحة:لقد كرس الرجل حياته للدفاع عن الخصوصية ولا يزال يفعل ذلك. وفيما يلي بعض أبرز مساهماته في عالم العملات المشفرة والأموال الرقمية:
- نظام تصويت موثوق 1981: اقترح تشوم نظامًا للانتخابات العامة مع التصويت الإلكتروني. باستخدام بريد إلكتروني لا يمكن تعقبه، وعناوين مزيفة، وأسماء مستعارة رقمية.
- توقيع أعمى للمدفوعات غير القابلة للتعقب 1982: رسم أول نهج للنقود الرقمية من خلال تشفير التوقيع الأعمى.
- بروتوكول المعرفة الصفرية 1988: بالتعاون مع Gilles Brassard و Claude Crepeau. حيث قاموا بتطوير قنوات آمنة تسمح بإجراء المعاملات دون ترك آثار للمرسل والمستقبل وما تم إرساله.
- النقود الإلكترونية غير القابلة للتتبع 1988: بالتعاون مع Fiat Masters و Moni Naor. وبذلك سمح بتنفيذ المعاملات غير المتصلة بالإنترنت مع الإنفاق المزدوج لنظام الكشف.
- انشاء شركة DigiCash في سنة 1990 وهي شركة نقدية رقمية.
- مشاريع التشفير الحديثة Elixxir & Praxxis.
لقد آمن تشوم بالخصوصية الحقيقية في المدفوعات ودافع عن ذلك طويلا. وذلك عن طريق اللجوء إلى الأسماء المستعارة الرقمية التي لا يمكن تتبعها. ولأنها تختلف مع كل كيان تتفاعل معه فلن يتمكن أي شخص من الاحتفاظ بملف خاص بهوية مجهولة معينة. حيث يوضح أن الطريقة الفعالة الوحيدة للحفاظ على أي مستوى من الخصوصية هي التحكم في المعلومات بمفاتيحك الخاصة.
من أجل الحصول على خصوصية حقيقية في العصر الحديث ،آمن تشوم أن الإجراءات يجب أن تكون غير قابلة للربط بالفرد وبعضها البعض و العمليات غير قابلة للكسر.
على عكس PayPal أو بطاقات الائتمان، فإن العملات المشفرة مثل Bitcoin و Ether ليست مرتبطة مباشرة بالهويات الحقيقية أو عناوين IP للمستخدمين. لكن، المعاملات نفسها مرتبطة ببعضها البعض، ولها تاريخ على البلوك تشين.
اليوم، يعمل ديفيد تشوم على تطوير مشاريعه الخاصة المتعلقة بالعملات المشفرة. مثل مشروع Elixir الذي يعتمد على شبكة بلوك تشين لامركزية للرسائل والمدفوعات السريعة والآمنة والسرية.
الدفع وسيلة اتصال تتطلب الديمقراطية، و البلوك تشين آلية الحكومات في المستقبل
يرى تشوم أن المدفوعات هي شكل أساسي من أشكال الاتصال. وبالتالي، تتطلب الديمقراطية المستقرة القدرة على الدفع دون الكشف عن هويتك. وهو أمر كان يحدث في العصور القديمة مع النقد.
على الرغم من كل الاهتمام بالعملات المشفرة، يبدو أن تشوم يتحمس أكثر بشأن البلوك تشين كآلية للحكومات المستقبلية. حيث يى أنه بعد فهم عميق واثق للتاريخ السياسي، فإن البلوك تشين سيحل محل الحكومات و الجهات التنظيمية في المستقبل.
إذا، البلوك تشين بالنسبة لعراب التشفير هي نوع من الديمقراطية العالمية التي توفر العدالة في بيئة متعددة الثقافات وأكثر تنوعًا. خاصة وأن القوميات أثبتت أنها مختلة إلى حد ما.
كما أن وجود البلوك تشين خارج نطاق الحكومة خطوة مهمة للغاية نحو نظام مالي جديد أكثر عدالة كما يقول ديفيد تشوم. كما يتميز بسهولة وأمانة الاستخدام، فعند القيام بعملية التحويلات لا يطلب أي بيانات حول العميل.
أيضا، يساعد البلوك تشين في الحماية وعدم التعرض لسارقي الهويات. كما أنه والعملات المشفرة لا مركزيين. يعني أنه لا يتم تحريكهم من قبل مراكز حكومية بل من جهة الأشخاص الذين يمتلكونها فقط. كما أنها تعطي المستهلك حق الحرية في التعامل بالشروط الخاصة به.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.