من كان يتخيل قبل سنوات قليلة فقط أن عملة رقمية مستقرة قد تتفوق على عملاق المدفوعات العالمية فيزا؟ لكن هذا ما حدث فعلاً. وفقاً لما ذكره غان تيان، المدير التنفيذي لصندوق "هواشيا"، فقد تخطّى إجمالي حجم المعاملات المنفذة بالعملات المستقرة خلال خمس سنوات فقط إجمالي ما عالجته فيزا في أربعين عامًا.
ورغم أن العملات المستقرة غالبًا ما تُوصف بالملل لأنها لا تعرف التقلبات الحادة التي تُغري المستثمرين، فإنها أثبتت في المقابل أنها من بين أكثر الأدوات استخدامًا وفعالية في النظام المالي العالمي. فما الذي حدث؟ وكيف تسللت العملات المستقرة إلى جيوبنا دون ضجيج؟
العملات المستقرة... من مشروع ناشئ إلى عملاق الدفع العالمي
ما حدث لا يمكن وصفه إلا بكونه "تحولًا بنيويًا" في طرق الدفع العالمية. في عام 2025 وحده، يُقدّر عدد المعاملات الشهرية التي تتم بالعملات المستقرة بنحو 220 مليون عملية. أما إجمالي القيمة السوقية للعملات المستقرة، فقد تجاوز بالفعل 255 مليار دولار، في مشهد لا يمكن للمصارف الكبرى تجاهله بعد الآن.
ما يجعل هذه العملات مميزة إلى هذا الحد ليس فقط استقرارها، بل قدرتها على تجاوز الوساطات البنكية. فبفضل بنيتها المبنية على البلوكتشين، يمكن إرسال واستقبال الأموال على مدار الساعة وفي أي مكان في العالم، وبدون الحاجة لانتظار أيام من التحويلات التقليدية أو دفع رسوم مرتفعة.
ومن بين هذه العملات، يبرز اسم واحد بوضوح: USDT الصادر عن شركة تيذر. هذه العملة المستقرة تتجاوز اليوم 157 مليار دولار في قيمتها السوقية، وتُسجّل أحجام تداول يومية تصل إلى 50 مليار دولار — أي أكثر من حجم معاملات فيزا اليومية التي لا تتعدى 40 مليار دولار.
وما يثير الإعجاب، هو أن هذا الإنجاز تحقق من دون حملات ترويجية ضخمة أو دعم مباشر من المؤسسات المالية التقليدية. بل جاء بفضل اعتماد طبيعي ومتصاعد من المستخدمين في الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء.
👈 اقرأ المزيد: فرصة أم تهديد؟ الجدل الدائر حول تقنين العملات المشفرة
منافسة عالمية تتبلور... والهيئات التنظيمية تترقب
من جهة أخرى، لا تقف هيمنة العملات المستقرة عند USDT فقط. فالعملة المنافسة USDC التي تصدرها شركة سيركل بدأت بالفعل تفرض وجودها، خصوصاً في تعاملاتها مع الحكومات والمؤسسات الرسمية في بلدان مثل الإمارات والبرازيل والمكسيك.
وفي مؤشر إضافي على ثقة السوق، شهد سهم شركة سيركل، بعد إدراجها في البورصة، قفزة تجاوزت 600%، وهو ما يعكس حجم الاهتمام المؤسساتي بهذا النوع من العملات.
أما في أوروبا، فيجري الآن الحديث عن إمكانية تخفيف القيود المفروضة بموجب إطار MiCA على العملات المستقرة، في خطوة قد تُمهّد لحقبة جديدة من الاعتراف الرسمي بها داخل الاتحاد الأوروبي.
👈 اقرأ المزيد: قانون MiCA، كل ما تحتاج لمعرفته حول اللوائح الأوروبية المنظمة للسوق المشفرة
المستقبل في الجيب... هل نحن مستعدون؟
يرى "شياو فينغ"، نائب رئيس مجموعة وانشيانغ، أن العملات المستقرة ليست مجرد وسيلة دفع جديدة، بل هي "الجيل التالي من العملات"، ويصفها بأنها "عملات رمزية لا تحتاج إلى وسيط".
في حين أن البيتكوين يُنظَر إليه كأصل احتياطي – أي كذهب رقمي للجيل الجديد – فإن العملات المستقرة بدأت تتجلى كوسيلة الدفع الأولى في عالمنا الرقمي. والنتيجة؟ منظومات مثل فيزا، بايبال وسويفت تجد نفسها اليوم في موقف دفاعي أمام كائن مالي جديد يتمتع بالسرعة، والشفافية، والتكلفة المنخفضة.
في عالم يسير بخطى متسارعة نحو الرقمنة، من الواضح أن العملات المستقرة لم تعد مجرد فكرة طموحة... بل واقع يفرض نفسه على الأنظمة المالية كافة.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
