في ظل تصاعد التقلبات الحادة في الأسواق الأمريكية نتيجة سياسات الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، بدأت الأصول الرقمية وعلى رأسها البيتكوين BTC تكتسب جاذبيتها كملاذ تحوّط. فبينما كانت بورصة وول ستريت تنتقد العملة الرقمية بسبب تقلبها، تكشف البيانات الأخيرة عن تفوق البيتكوين على مؤشر S&P 500 من حيث الاستقرار النسبي، ما يعيد فتح النقاش حول ما إذا كانت العملات الرقمية قد تحولت من أداة مضاربة إلى أداة تحوّط في ظل اضطرابات الأسواق التقليدية.
الأسواق التقليدية تتراجع: هروب جماعي من الأصول الأمريكية
مع إعلان ترامب ما أسماه بـ"يوم التحرير " في 2 أبريل، سجّل مؤشر S&P 500 تراجعًا بنحو 14% خلال أقل من شهرين، في حين شهدت مؤشرات ناسداك وداو جونز خسائر مماثلة. هذه التقلبات الشديدة أعادت إلى الأذهان مشاهد الانهيار في خضم أزمة كورونا عام 2020.
المستثمرون، الذين اعتادوا الاحتماء في سندات الخزانة الأمريكية والدولار كأصول آمنة، بدأوا في التخلي عنها. فمنذ يوم الجمعة الماضي، تهاوت قيمة الدولار إلى أدنى مستوياتها منذ سبتمبر، في حين ارتفعت عوائد السندات الحكومية لعشر سنوات بنحو 62 نقطة أساس لتبلغ 4.45%، في دلالة واضحة على قلق الأسواق من الوضع المالي الأمريكي.
البيتكوين يُظهر استقرارًا نسبيًا في زمن الاضطراب
في مفارقة لافتة، قفزت تقلبات البيتكوين المحسوبة على مدى 7 أيام إلى 83%، لكنها لا تزال أقل بكثير من التقلبات التي شهدها مؤشر S&P 500 والتي بلغت 169%، بحسب بيانات TradingView. وعلى مدى 30 يومًا، بدت العملة الرقمية أكثر استقرارًا مقارنة بالمؤشرات الأمريكية.
و قال جيمس باترفيل James Butterfill، رئيس قسم الأبحاث في شركة CoinShares أن :
" أسواق الأسهم شهدت ارتفاعًا دراماتيكيًا في مستويات التقلبات – متجاوزة تلك التي نشهدها حاليًا في البيتكوين، والتي تشهد بدورها تراجعًا في حدة تذبذبها"
و يرى أنّ هذا التباين يثير تساؤلات جوهرية:
"هل ينبغي للمستثمرين الوثوق بأصول تخضع للتقلبات السياسية والأخطاء البشرية، أم اللجوء إلى نظام رياضي ناشئ يُعد مخزنًا للقيمة وأكثر مناعة من تلك الأخطار؟".
تراجع جاذبية الدولار: هل فقدت أمريكا امتيازها النقدي؟
يرى المحللون أن حركة السوق الأخيرة إلى تصدع في مفهوم "الاستثنائية الأمريكية".
يُشير مفهوم "الاستثنائية الأمريكية" (American Exceptionalism) إلى الاعتقاد بأن الاقتصاد الأمريكي يتمتّع بقدرة فريدة على تحقيق أداء أفضل من بقية اقتصادات العالم، سواء من حيث النمو، الاستقرار، جاذبية الاستثمار، أو قوة الدولار كعملة احتياطية عالمية.
يشير هذا المفهوم إلى أن الولايات المتحدة — بعكس الأسواق الناشئة — كانت تُعتبر دائمًا ملاذًا آمنًا، حيث يؤدي ارتفاع عوائد السندات الأمريكية عادةً إلى ارتفاع قيمة الدولار.
اقرأ و تعلّم : عملية صنع الأموال ورحلة طبع الدولار بالولايات المتحدة
غير أن ما يحدث الآن من تراجع في قيمة الدولار رغم ارتفاع العوائد يُعدّ خرقًا لهذا النمط التاريخي، مما يوحي بأن الثقة العالمية في تفوق الاقتصاد الأمريكي بدأت تهتز، وهو ما وصفته Evercore بأنه "تبخر لأسطورة الاستثنائية الأمريكية" في ظل قرارات سياسية واقتصادية متقلبة.
وبحسب ما نقلته وول ستريت جورنال عن كبير مراسليها الاقتصاديين نيك تيماروس، قالت شركة Evercore ISI:
"تزامن ارتفاع العوائد مع انخفاض الدولار شائع في الأسواق الناشئة، وقد رأينا ذلك في المملكة المتحدة أثناء أزمة ليز تراس. لكن حدوثه في الولايات المتحدة أمر نادر؛ فلم يشهد التاريخ الحديث سوى أربع مرات تراجع فيها الدولار بأكثر من 1.5% في ظل ارتفاع العائد على سندات الثلاثين عامًا بأكثر من 10 نقاط أساس."
وأوضحت Evercore أن هذا التغير يعكس تراجع النظرة الاستثنائية للاقتصاد الأمريكي، وتراجع جاذبية الأصول الدولارية كاحتياطي عالمي، في ظل قرارات أمريكية متخبطة.
الخلاصة: هل تصبح البيتكوين الخيار الجديد للتحوّط؟
مع تراجع الثقة في الأصول الأمريكية التقليدية، تعود العملات الرقمية إلى الواجهة، ليس بوصفها أدوات مضاربة، بل كمخازن محتملة للقيمة، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية والاقتصادية. وإذا استمرت السياسات الأمريكية على النهج الحالي، فإن البيتكوين، وربما بعض العملات الرقمية البديلة ، قد تتحول إلى أدوات رئيسية في استراتيجيات التحوط العالمية، متجاوزة دورها السابق كأصل محفوف بالمخاطر.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
