موثوق به

أزمة الثقة في السندات الأمريكية: لماذا يتجه المستثمرون إلى الذهب وبيتكوين؟

3 دقائق
بواسطة Elhadi Bouazizi
تم التحديث بواسطة عبدالحكيم أبوبكر

باختصار

  • ارتفاع عوائد السندات الأميركية يكشف تصدّع الثقة: تجاوز عائد سندات الخزانة 30 عامًا 2.7%، ما يعكس قلقًا من الاستدامة المالية وليس التضخم.
  • الديْن الأميركي يتضخم والقلق يتسارع: تجاوز الدين العام 36 تريليون دولار، مع توقّعات ببلوغه 58 تريليونًا خلال عقد واحد فقط.
  • الأسواق تفقد توازنها والدولار يتراجع: صعود اليورو رغم اتساع فارق العوائد لصالح الدولار يكشف تحوّلًا في ثقة المستثمرين.
  • الذهب وبيتكوين يعودان كملاذين آمنين: مع تصاعد المخاوف من "تيسير كمي مقنّع"، تتجه الأنظار إلى الأصول غير المرتبطة بالحكومات.
  • برومو

ما كان يُنظر إليه يومًا كأرضٍ صلبة في قلب الأسواق العالمية، بدأ يتصدّع. عوائد سندات الخزانة الأمريكية تشهد قفزات غير مألوفة، والدين الوطني يتضخّم في صمت، فيما تسود حالة من الترقّب في الأسواق. يبدو أن "التمثيل" المالي الذي دام سنوات، والذي أقنع العالم بأن الاقتصاد الأميركي متماسك رغم الديون، قد شارف على نهايته. ومع انكشاف هذا الوهم، تتجه الأنظار مجددًا إلى أصول الملاذ الآمن، وعلى رأسها الذهب وبيتكوين BTC، بحثًا عن حصانة من العواصف الآتية.

تفكك الوهم: حين تنهار سردية الكايفيب المالي

في عالم المصارعة الحرة، هناك مصطلح شائع يدعى "Kayfabe" يُقصد به تقديم الوهم على أنه حقيقة، حتى يصدّق الجمهور ما يراه، ولو كان مجرّد تمثيل. وهذا بالضبط ما عاشه المستثمرون مع السوق الأميركية على مدى سنوات: حكومة على شفا الإفلاس بسبب سقف الديون، لكن المستثمرين واصلوا الإقراض بأسعار فائدة متدنية، وكأن لا شيء يستدعي القلق.

لكن ما جرى مؤخرًا كشف المستور. ارتفاع عائد سندات الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم لأجل 30 عامًا إلى 2.7%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2001، حمل دلالة صريحة: لم يعد المستثمرون يثقون في قدرة الحكومة على ضبط مسارها المالي طويل الأمد دون مقابل مجزٍ.

هذا الارتفاع لم يأتِ نتيجة ضغوط تضخمية، فمؤشر أسعار المستهلك يتراجع تدريجيًا نحو هدف الاحتياطي الفيدرالي عند 2%، بينما بقيت المؤشرات المستقبلية للتضخم مستقرة منذ 2022. مما يعني أن الخوف لا يتعلق بالتضخم، بل بغياب الثقة في استدامة السياسة المالية.

اقرأ أكثر: هل سوق السندات يطلق إنذارًا لا يمكن لترامب إسكاته؟

الديْن يتضخّم... والقلق يتسارع

في قلب هذه الأزمة أرقام يصعب تجاهلها. بلغ الدين العام الأميركي أكثر من 36.2 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يقفز إلى 58 تريليونًا خلال العقد المقبل، مع بلوغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي 156% بحلول عام 2055، وفقًا لتحليل شركة EY QUEST .

هذه الأرقام ليست مجرّد مؤشرات جامدة، بل إنذار حقيقي بأن الاقتصاد الأمريكي يسير في اتجاه بالغ الخطورة.

الخبير روبن بروكس Robin Brooks أشار إلى أن سعر الفائدة الحقيقي الآجل لخمس سنوات – وهو مؤشر يعكس توقعات المستثمرين – ارتفع إلى 2.5%، متجاوزًا مستويات شوهدت خلال أكثر الفترات تشددًا من قبل الاحتياطي الفيدرالي، مثل "نوبة الذعر" في 2013، أو موجة رفع الفائدة في 2022 بعد جائحة كورونا.

وقال في تعليق تحليلي:

"هذا يجعل من المرجّح أن سنوات من السياسات المالية غير المسؤولة بدأت تلقي بظلالها، وتضيف إلحاحًا على ضرورة إصلاح المسار المالي قبل فوات الأوان".

الأسواق تفقد توازنها... والدولار ليس بمنأى

في العادة، حين ترتفع عوائد السندات الأمريكية، فإن الدولار يستفيد، مدعومًا بجاذبية العوائد المرتفعة. لكنّ ما يحدث الآن مغاير تمامًا. زوج اليورو/الدولار EUR/USD واصل ارتفاعه، رغم اتساع فارق العوائد لصالح الدولار، في كسرٍ واضح للعلاقة التقليدية بين سوق  العملات الفوركس وسوق السندات.

والمفارقة أن المستثمرين أصبحوا يفضّلون الاحتفاظ باليورو، وهو ما تؤكده أسواق الخيارات التي تظهر تفاؤلًا غير مسبوق بالعملة الأوروبية منذ تفشي كوفيد-19.

هذه المفارقة لا تترك مجالًا للشك: الثقة في استقرار الأوضاع المالية الأميركية بدأت تتآكل، والعديد من المستثمرين يفضّلون الابتعاد عن الأصول المقومة بالدولار، رغم كل ما تمنحه من سيولة وسهولة تداول.

بيتكوين والذهب في طليعة المرحلة المقبلة

حين تضطرب الثقة في أدوات الدولة المالية، يتجه المستثمرون إلى الأصول التي لا تطبعها البنوك المركزية. الذهب وبيتكوين، على اختلاف طبيعتهما، يشكّلان اليوم ملاذًا من التقلّب والتضخم و"قمع السيولة"، خصوصًا مع تصاعد التوقّعات بأن الولايات المتحدة قد تدخل في مرحلة تحكّم بالعوائد، تشبه ما جرى سابقًا في فترات التيسير الكمي.

المتداول المخضرم بول تيودور جونز Paul Tudor Jones حذّر منذ العام الماضي من لجوء الحكومات، كما في التاريخ، إلى طباعة النقود كوسيلة للهروب من أعباء الدين، قائلًا: "كل الطرق تؤدي إلى التضخم، ولهذا أفضّل الاحتفاظ ببيتكوين، والذهب، والسلع على السندات طويلة الأجل".

أما آرثر هايز Arthur Hayes، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Maelstrom، فأشار إلى أن ما يجري هو في جوهره "تيسير كمي مقنّع"، وأن بيتكوين مرشّح لتحقيق ارتفاعات تاريخية إذا استمرت السلطات في ضخ السيولة عبر سياسة "ضبط منحنى العائد". وقال تعليقًا على تراجع إدارة ترامب عن بعض الرسوم الجمركية: "بوسعهم أن يطلقوا عليه ما شاؤوا، فقط لا يسمّوه تيسيرًا كمّيًا... لكن النتيجة واحدة: ارتفاع السيولة واستفادة بيتكوين".

اقرأ أكثر: تقرير أبحاث CoinEx عن إبريل: البيتكوين والذهب كملاذين آمنين في عالم متغير

نحو مرحلة مشوبة بالتقلّب... ولكن واعدة

رغم المؤشرات الإيجابية على ارتفاع بيتكوين والذهب، يبقى الحذر واجبًا. إذ إن أي هزة عنيفة في سوق السندات قد تؤدي إلى "سباق نحو السيولة"، يبيع فيه المستثمرون كل شيء، بما في ذلك الأصول الرقمية. لكن في الوقت الحالي، ما زال مؤشر MOVE، الذي يقيس التقلّب المتوقع في سندات الخزانة، يشير إلى نوع من الهدوء النسبي.

الأسواق تقف على عتبة مفصلية، لا هي مستقرة بما يكفي للطمأنينة، ولا منهارة بما يكفي للذعر. ما كان يحسب استقرارًا أصبح الآن موضع تساؤل. وفي زمن تتكشّف فيه الأوهام المالية، لا عجب أن يعود الذهب وبيتكوين إلى قلب المعادلة.

أفضل منصة كريبتو في الإمارات
أفضل منصة كريبتو في الإمارات
أفضل منصة كريبتو في الإمارات

إخلاء مسؤولية

جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.

MEFrame_1943.jpg
الهادي بوعزيزي هو متداول محترف منذ 15 عامًا في قطاعات الفوركس والعملات المشفرة. تخرج هادي من كلية الهندسة ولكنه تخصص في مجال الاقتصاد الرقمي والتداول ويحترف كتابة المحتوى الاقتصادي والتحليلات الفنية والأساسية منذ فترة طويلة. كذلك يساهم الهادي في إثراء المحتوى التعليمي العربي الخاصة بالعملات المشفرة والبلوكتشين في العديد من المراكز العالمية وأسواق المال.
قراءة السيرة الذاتية الكاملة
برعاية
برعاية
للإعلان والمبيعات: https://ar.beincrypto.com/sales/