نسمع كثيرا عن سياسات البنوك المركزية في الآونة الأخيرة وخاصة بعد كوفيد. وهذا بسبب محاولة البنوك المركزية التأثير على الإقتصاد بطرق مختلفة منها رفع وتخفيض الفائدة والتي تحدثنا عنها من قبل. واليوم سوف نتحدث عن أحد الوسائل المهمة التي تستخدمها البنوك المركزية بقيادة الفيدرالي الأمريكي وهي سياسة التشديد الكمي quantitative tightening. فما هي هذه السياسة؟ وما الذي يجب أن تعرفه عنها؟ هيا بنا نعرف أكثر!
ما هو المقصود بالتشديد الكمي Quantitatve Tightening؟
التشديد الكمي هو أحد السياسات التي تمتلكها البنوك المركزية من أجل التحكم في السيولة داخل النظام المالي بغرض السيطرة على التضخم ومعدل النمو. وعادة يتم إستخدام هذه السياسة عندما يرتفع التضخم بعنف وتبدأ معدلات النمو في الخروج عن السيطرة وبالتالي يتم إستخدام هذه السياسة من أجل تجنب حالة التضخم المفرط hyperinflation.

ببساطة عندما يطبق الفيدرالي الأمريكي هذه السياسة فهو يقوم ببيع السندات المالية التي يمتلكها الفيدرالي أو لا يقوم بتجديدها مرة أخرى وبالتالي عندما لا تتجدد هذه السندات تختفي السيولة من الأسواق. هذا يؤدي إلى تخفيض حجم الأموال وبالتالي نتيجة لهذا ترتفع الفائدة على الإقراض والإقتراض مما يؤدي إلى تباطؤ حركة نمو الإقتصاد. فالدين قد أصبح أغلى بكثير الآن نظرا لإرتفاع الفائدة وبالتالي سيساعد هذا في تباطؤ الإقتصاد وإنخفاض نسبي للتضخم.
تم تطبيق هذه السياسة في عام 2022 من قبل البنوك المركزية وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي ولازالت هذه السياسة يتم تطبيقها حتى الآن في الولايات المتحدة.
لماذا يلجأ الفيدرالي لهذه السياسة؟
لجأ الفيدرالي لسياسة التشديد الكمي مرتين حتى الآن منذ ظهور السياسة العكسية لهذه وهي التيسير الكمي. أول مرة كانت في عام 2017 وبعدما تم التوسع في عملية طبع النقود وشراء السندات المالية المختلفة من قبل الفيدرالي، قام الفيدرالي بتطبيق سياسة التشديد الكمي كمحاولة للسيطرة على التضخم في 2018. وقد إنهار السوق بسبب هذا وسرعان ما إستجاب الفيدرالي في خلال عام وقام بإلغاء السياسة بعد تخفيض مخزون الأموال قليلا للسيطرة على التضخم.
مرة أخرى قام الفيدرالي بتطبيق هذه السياسة في 2022 بسبب إرتفاع التضخم بشكل جنوني في خلال الفترة ما بين 2020 و2022 بسبب جائحة كورونا. لا يجب أن ننسى أن البنوك المركزية إستجابت لهذه الكارثة عن طريق طبع المليارات من الأموال حول العالم وهذا بلا شك أدى إلى إرتفاع التضخم حول العالم. وبناء على هذا وفي محاول للسيطرة على التضخم القوي الذي وصل إلى 9% تقريبا في الولايات المتحدة في 2022، قام الفيدرالي بتطبيق هذه السياسة. وبالفعل بدأ الإقتصاد في التباطؤ بشدة وحتى أن خطر الكساد كان وشيك في 2022. ولكن تفادى الإقتصاد الأمريكي هذا الخطر ومر بآمان من عام 2022 الصعب. وقد تعرضت جميع الأسواق المالية لتصحيح عنيف في هذا العام نتيجة لسحب السيولة من الأسواق وحتى بيتكوين والذهب تعرضا لتصحيح سعري عنيف جدا.
مخاطر التشديد الكمي

أكبر مخاطر التشديد الكمي هي مخاطر الدخول في كساد إقتصادي. فتقليل حجم السيولة المالية في إقتصاد قد أدمن سياسة التوسع المالي سيؤدي إلى تعرض هذا الإقتصاد للضرر الشديد. وللأسف قد أدمنت الإقتصادات العالمية سياسات التوسع المالي منذ عام 2008 بسبب طريقة إستجابة البنوك المركزية للأزمة. فطبع الكثير من الأموال من أجل تجنب الأزمة لم يكن أفضل قرار نظرا لأنه لم يحل المشكلة ولكنه قد زاد من معاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة على حساب إغتناء هؤلاء القريبين من مواقف السلطة وإتخاذ القرار.
أيضا سياسة التشديد الكمي قد لا تكون مؤثرة بشكل كبير عندما يتفاقم حجم الدين وهذا بسبب أن خدمة الدين ترتفع جدا. وبالتالي عندما ترتفع الفائدة فهذا يؤدي إلى إرتفاع خدمة الديون بشكل قوي. فلا يجب أن ننسى أن الفائدة التي يتم دفعها هي عبارة عن أموال يتم طبعها نظريا وبالتالي فهذا يعتبر طبع نقود ونوع من التضخم. وبالتالي قد تؤدي هذه السياسة بطريقة غريبة إلى نتائج عكسية وهذا ما حدث في خلال الأعوام الماضية بالفعل في الولايات المتحدة حيث أن خدمة الديون كانت حوالي 4 تريليون دولار في العام الواحد وهذا ليس إنكماشي بل شديد التضخم.
إلى متى سيتم تطبيق سياسة التشديد الكمي؟
سياسة التشديد الكمي يتم تطبيقها منذ عام 2022 ولكن تم تقليل حجم التشديد مرة في خلال عام 2024 وتم تقليل المعدل مرة أخرى في الشهر الماضي. وحاليا يتم التخلص من السندات المالية المتعلقة بالعقارات والتي كانت السبب في أزمة 2008 وإضطر الفيدرالي لشرائها عن طريق التيسير الكمي. وبالتالي يسعى الفيدرالي حاليا إلى التخلص من الهذه السندات السيئة ولهذا يتبع سياسة التشديد الكمي فهذه السندات لابد من التخلص منها حتى يتمكن الفيدرالي من مواجهة المشاكل المستقبلية المتعلقة بالإقتصاد. علاوة على هذا لا يجب أن ننسى أن هناك الكثير من الديون طويلة الأمد التي يجب أن يتخلص منها الفيدرالي أيضا.

ولكن حاليا يتعرض الفيدرالي الأمريكي لضغط شديد جدا من الحكومة الأمريكية من أجل القضاء على هذه السياسة وتخفيض الفائدة. ولكن حتى الآن يرفض الفيدرالي الخضوع لهذا الضغط ولازال باول مصر على الإستمرار في هذه السياسة. ومع أننا نريد إرتفاع الأسواق المالية إلا أننا نوافق باول في قراره نظرا لأن القرار الحكيم حاليا والذي قد يكون مؤلم للأسواق هو الإستمرار في هذه السياسة المالية. وهذا لأنها تسمح للفيدرالي بالتخلص من كل الديون السيئة الموجودة في موازنته وبالتالي سيصبح الفيدرالي جاهز بشكل أفضل من أجل مواجهة أي كوارث مستقبلية.
الخلاصة
فهم الفرق ما بين سياسة التشديد الكمي والتيسير الكمي مهم جدا من أجل التنبؤ بحركات الأسواق المستقبلية. أيضا إذا تتبعت تاريخ تطبيق هذه السياسات وقارنته بسعر بيتكوين ستجد أن بيتكوين دائما ما ترتفع وقت تطبيق التيسير الكمي وتنخفض بشدة وقت تطبيق سياسة التشديد الكمي. ولكن ستلاحظ أيضا أن هذه العلاقة تنهار نوع ما في خلال السنوات الأخيرة الماضية نظرا لأن بيتكوين قد صعدت وقت تطبيق سياسة التشديد الكمي إلى فوق 100 ألف دولار. ولكن لا تنسى أن الفيدرالي لديه وسائل أخرى من أجل التحكم في السيولة عن طريق تخفيض الفائدة وأيضا التحكم في منحنى العائد. أيضا لا يجب أن ننسى أن أكبر كم من التشديد الكمي تم تطبيقه عام 2022 الذي شهد أكبر إنخفاض في سعر بيتكوين. وبما أن الأسواق المالية دائما تطلعية وخاصة الكريبتو، فقد تم بيع بيتكوين بعنف في 2022 تحسبا لتأثير هذه السياسة ولهذا تم معاودة شراؤها في خلال الأعوام التالية.
ولا تنسى أن تتابعنا دائما حتى تتعرف على كل ما هو جديد في عالم الأسواق المالية والعملات الرقمية!
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات. في موقع Learn غايتنا الأولى هي توفير معلومات رفيعة المستوى. فنوف المحتوى التعليمي حقه من التحديد والبحث والابتكار لنضمن تقديم كل ما هو مفيد وممتع لقرائنا. وللحفاظ على هذا المستوى والاستمرار في صنع محتوى رائع وممتع ومفيد، قد يكافئنا شركاؤنا بعمولة لذكرهم في مقالاتنا. إلا أننا نود أن نؤكد أن هذه العمولات لا تؤثر بأي شكل على نزاهتنا في صنع محتوى محايد أمين ومفيد لقرائنا الأعزاء دون تحيز أو تفضيل على الإطلاق.
