من أشهر المصطلحات التي إشتهرت بعد كوفيد في العالم المالي هي التيسير الكمي quantitative easing. فهذا المصطلح أصبح مشهورا في الأسواق المالية على أنه العلامة على صعود الأصول المالية مثل الأسهم والذهب والعملات الرقمية بمعدلات مجنونة نظرا لأنه يعتبر نوع من طباعة النقود. فما هو هذا المصطلح؟ وما هو تأثيره على الأسواق المالية؟ في هذا المقال سوف تعرف كل ما تحتاج أن تعرفه عن مبدأ التيسير الكمي فهيا بنا نعرف أكثر!
ما هو المقصود بالتيسير الكمي Quantitatve Easing؟
التيسير الكمي هو أحد الوسائل التي يمتلكها الفيدرالي الأمريكي من أجل التحكم في العالم المالي والتأثير عليه. تذكر من خلال مقالنا عن الفيدرالي الأمريكي أنه يتحكم في الفائدة على الإقراض والإقتراض من أجل الحفاظ على تضخم منخفض (حوالي 2% سنويا) وأيضا على معدل بطالة منخفض. وبالتالي يرفع أو يخفض الفيدرالي الفائدة من أجل تشجيع المستثمرين على الإقتراض (وقت خفض الفائدة) أو شراء السندات المالية وتفادي الإقتراض (وقت رفع الفائدة) وذلك من أجل التأثير على الإقتصاد.

والتيسير الكمي هو أحد الوسائل التي من خلالها يتمكن البنك المركزي من التحكم في الإقتصاد أيضا ولكنها تعتبر الأداة الأخيرة أو الملجأ الأخير الذي يستخدم وقت الكوارث. وهذه الأداة تسمح للفيدرالي بشراء السندات المالية مباشرة وبكميات ضخمة من الخزانة الأمريكية. فعادة عندما تصدر الخزانة السندات يقوم المستثمرين بوضع أموالهم في البنوك وشراء هذه السندات للحصول على عوائدها. ولكن في هذه الحالة الإستثنائية وقت الكارثة يقوم الفيدرالي بشراء هذه السندات. وبما أن الفيدرالي هو المقرض الأخير lender of the last resort في الولايات المتحدة فهو لديه كمية لا تنتهي من الأموال. وبالتالي يتمكن من شراء أي كمية ممكنة من الأموال وهنا يأتي لفظ طباعة النقود. فالفيدرالي يشتري السندات بكميات ضخمة (تريليونات الدولارات) وبعدها يضخ هذه الأموال كإحتياطي في خزانات البنوك. هذا بالطبع يرفع من سعر السندات ويخفض من عوائد هذه السندات. وإذا انخفض العائد على السندات وأصبح الاقتراض بخيس (بدون فائدة) فأغلب الظن المستثمر سيقترض من أجل الإستثمار في السوق المالية مثل الأسهم. ولهذا السبب عادة ما تستفيد الأصوال المالية من التيسير بسبب ضخ الأموال في هذه الأسواق.
لماذا يلجأ الفيدرالي لهذه السياسة؟
يلجأ البنك المركزي عادة لهذه السياسة وقت الأزمات فقط. ففي عام 1990 لجأ إليها البنك المركزي الياباني من أجل إنقاذ الأسواق اليابانية من كارثة إقتصادية عنيفة. أما الفيدرالي الأمريكي فقد لجأ إلى هذه السياسة في عام 2008 لأول مرة بعد كارثة إنهيار السوق العقاري بالولايات المتحدة. فقد كام الفيدرالي بشراء السندات المالية التي تسببت في إنهيار سوق العقارات بكميات ضخمة. وتم هذا عن طريق التيسير الكمي وشراء كميات ضخمة جدا من هذه السندات. بعد هذا إضطر الفيدرالي أيضا إلى شراء الكثير من السندات المالية من أجل إعادة الثقة مرة أخرى للسوق الأمريكي وضخ المليارات بل تريليونات من الدولارات في الأسواق. وأدى هذا إلى إرتفاع جنوني في أسعار الأصول المالية كلها ما بين 2010 و2020.
أخيرا لجأ الفيدرالي لمرة أخرى لهذه السياسة الراديكالية في وقت إنهيار الأسواق المالية وقت كوفيد في مارس 2020. فقد تسبب توقف حركة الإقتصاد العالمي في كارثة مالية كبيرة كانت ستؤدي إلى كساد أعظم لولا تدخل البنوك المركزية وإنقاذ الموقف عن طريق هذه السياسة. وقد تم تخفيض الفائدة عالميا إلى صفر تقريبا والبدأ في عمليات شراء السندات من الخزانات في الدول المختلفة بقيادة الولايات المتحدة. ولكن هذه المرة كان حجم هذا الشراء أكبر من أي مرة سابقة وبالتالي أدى إلى إنشاء فقاعة كبيرة جدا في عالم العملات الرقمية والأسهم أيضا بسبب إرتفاع أسعار هذه الأصول.
كما ترى فهذه السياسة تحدث فقط وقت الأزمات الشديدة جدا فقط وبالتالي عندما تحدث فهذا يعني أن السوق يعاني من كارثة ستؤدي إلى إنهيار الإقتصاد كله.
مخاطر التيسير الكمي

التيسير الكمي ليس بدون مخاطر. وأول مشاكل هذه السياسة هو أنها تزيد من الفجوة المجتمعية ما بين الطبقات. فتذكر أن الفيدرالي يشتري السندات ثم يغدق البنوك بالأموال، بعد هذا تقوم الهيئات الإستثمارية والأشخاص الأثرياء بإقتراض هذه الأموال غالبا من أجل المضاربة والرهان في الأسواق. وهنا تكمن المشكلة لأن الطبقات الفقيرة والمتوسطة لا تستفيد من هذه السياسة. فقط الأسواق المالية تستفيد منها نظرا لأن المال سهل وبخيس وبالتالي يتم المضاربة به في الأسواق المالية. يستفيد فقط الأثرياء من هذه السياسة ولأن الشركات ترى زيادات جنونية في أسعار الأسهم فتقوم بإعادة شراء أسهمها بالأرباح بدلا من التوسع والإستثمار في فروع جديدة. وهذا نظرا لضغط الشراء الجنوني من قبل المستثمرين وبالتالي تظل الدوامة بدون نهاية وبدون إستفاد الطبقات العاملة. تذكر أن الطبقات المتوسطة والمنخفضة تستفيد فقط إذا توسعت الشركات وقامت بتوظيف موظفين جدد، اما إذا كانت الأرباح كلها موجهة إلى إعادة شراء الأسهم فكيف ستستفيد هذه الطبقات؟
علاوة على هذا فإن هذه السياسة أحيانا تؤدي إلى تضخم كبير. فتذكر أنها تزيد من حجم المال الموجود في الأسواق وهذا المال يتم إستخدامه ليس لإنتاج منتجات وبضائع جديدة، بل للرهان على الأسهم والعملات الرقمية. وبالتالي يحدث التضخم ولكن ليس بالشكل المتوقع. فكل الدراسات تقول بأن التضخم الناتج عن التيسير الكمي عادة يكون منخفض أو شبه منعدم. فمثلا كان التضخم منخفض جدا ما بين 2010 و2020 وكانت هذه السياسة هي المسيطرة على جميع البنوك المركزية تقريبا.
هل يمكن أن يعود تطبيق سياسة التيسير الكمي مرة أخرى؟

قال جيروم باول في مقابلة مع الكونجرس من فترة أنه لا يمكن تطبيق هذه السياسة إلا عندما تكون الفائدة على الإقراض 0. وبالتالي بما أن الفائدة حاليا 4.25% تقريبا فلا توجد مساحة من أجل تطبيق سياسة التيسير الكمي. فيجب تخفيض الفائدة إلى 0 أولا ثم تطبيق السياسة وهذا أمر منطقي نظرا لأن السياسة في الأصل تخفض من الفائدة عن طريق رفع أسعار السندات وتخفيض عوائدها وبالتالي تخفيض الطلب عليها ورفع الطلب على الإقتراض الذي يشجع بدوره الإستثمار في الأصول المالية.
ومؤخرا قد تزايدت طلبات المستثمرين بأن يقوم الفيدرالي بإلغاء سياسة التشديد الكمي quantitaive tightening وهي عكس السياسة التي نتحدث عنها. وسوف نتحدث عنها بالتفصيل في مقال قادم. وحتى الآن خفض الفيدرالي من سياسة التشديد ولكن لم يقم بإلغاءها وهذا من أجل المساعدة على تخفيض حجم الأموال في الأسواق. لا تنسى أن هذه الأموال هي نتيجة للتيسير الذي ظل أكثر من عقد كامل يغدق على الأسواق بالسيولة وبالتالي أدى إلى تخضم في النهاية.
وحاليا أصبحت الأسواق المالية شبيهة بمدمن المخدرات الذي يعتمد على المخدر من أجل البقاء على قيد الحياة. فمجرد التنويه عن إمكانية تطبيق سياسة التيسير مرة أخرى يجعل الأسواق في هالة هيستيرية وتبدأ أسعار الأصول في الصعود بشدة. وهذا أمر غاية في السوء ويعني أن أسعار الأصول لا تصعد بسبب التحليل الأساسي أو أهميتها في الإقتصاد وإنما فقط بسبب كثرة السيولة في الأسواق.
خطة الفيدرالي الحالية

يسعى الفيدرالي الأمريكي حاليا إلى تفادي تطبيق سياسة التيسير الكمي. وهذا نظرا لأنه نتيجة لإعتماد الفيدرالي على هذه السياسة لفترة طويلة فقد أدى إلى وجود الكثير من السندات المالية السيئة في النظام المالي. هذه السندات يجب التخلص منها وسياسة التيسير لن تساعد على هذا. فسياسة التيسير يمكنها أن تزيد من حجم هذه السندات السيئة أكثر إذا قام الفيدرالي بشراء سندات مالية سيئة أو عديمة الفائدة مرة أخرى مثلما فعل في 2008. وبالتالي خطة الفيدرالي الأمريكي حاليا هي أن يقوم بعملية تنظيف للموازنة الخاصة به وتخفيض حجم الأموال والتخلص من كل السندات السيئة. وذلك من أجل التجهيز لأي كارثة مالية قد تأتي قريبا. ولكن ربما لا يكون هناك وقت كافي أمام الفيدرالي لفعل هذا. فحاليا يمر الإقتصاد الأمريكي بأزمة جديدة ويبدو أن كساد قد يكون على مشارف الأبواب. في هذه الحالة سيضطر الفيدرالي إلى العودة مرة أخرى لسياسة التيسير من أجل السيطرة على الذعر.
وسنوافيكم بكل ما هو جديد دائما أول بأول حتى تكونو على دراية تامة بما سيحدث في الأسواق فلا تنسى متابعة موقعنا كي تعرف تأثير كل هذا العملات الرقمية!
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات. في موقع Learn غايتنا الأولى هي توفير معلومات رفيعة المستوى. فنوف المحتوى التعليمي حقه من التحديد والبحث والابتكار لنضمن تقديم كل ما هو مفيد وممتع لقرائنا. وللحفاظ على هذا المستوى والاستمرار في صنع محتوى رائع وممتع ومفيد، قد يكافئنا شركاؤنا بعمولة لذكرهم في مقالاتنا. إلا أننا نود أن نؤكد أن هذه العمولات لا تؤثر بأي شكل على نزاهتنا في صنع محتوى محايد أمين ومفيد لقرائنا الأعزاء دون تحيز أو تفضيل على الإطلاق.
