كالعادة تنام وتستيقظ تجد أن سوق العملات المشفرة قد انطلق محلقًا في السماء. أو قفز في منحدر بدون مظلة. وهذا بالضبط ما حدث في المدة بين مساء الخميس ويوم الجمعة. ولكن الأمر المميّز هذه المرة، هو غياب سبب واضح ومحدد لهذا الانهيار المفاجئ في الأسعار. والجميع يسأل لماذا حدث حمام الدم هذا؟
الإجابة البسيطة، لا يوجد سبب واحد وإنما مجموعة من الأسباب والأخبار أدت إلى ما يسمى بانهيار أجار الدومينو.
العوامل المسبقة
البداية كانت يوم الثلاثاء، بعد صدور بيانات اقتصادية مفاجئة حيث ارتفعت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة بنسبة 0.7% في يوليو. فوق التوقعات البالغة 0.4%..
وهو ما رأى فيه الكثير من المشاركين في أسواق المال العالمية أنها سوف تشجع البنك الفيدرالي على الاستمرار في نهج تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة. ثم جاء محضر اجتماع البنك الفيدرالي يوم الأربعاء ليؤكد على ذلك بنبرته المتشددة التي ألمح فيها إلى المزيد رفع الفائدة.
ثانيا هذه المشاعر السلبية في السوق ازدادت مع صدور بعض الأخبار التي قضت تماما على شهية المخاطرة. البداية كانت من إعلان شركة العقارات الصينية الضخمة إيفرجراند Evergrande الإفلاس وانخفاض سعر اليوان الصين إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 2007.
ثم ثالثا، جاء منح قاض أمريكي موافقة للهيئة الأمريكية للأوراق المالية والبورصات (SEC) لتقديم طلب للاستئناف بخصوص الحكم الموافق لشركة ريبل فيما يتعلق بمبيعات عملة XRP للمستهلكين.
ورغم أن الرئيس التنفيذي لشركة ريبل قال إن هذا لن يغير من الوضع شيء. إلا أن ذلك ليس كافي لتهدئة المشاعر السلبية للقرار.
كل هذا حدث، في الوقت الذي سجّل سوق العملات المشفرة فيه أدنى مستوياته التاريخية من حجم التداول اليومي وأيضا تقلبات الأسعار وانخفاض حاد للسيولة في السوق و هذا السبب الرابع.
ما يعني أن تحريك الأسعار في أي اتجاه لن يحتاج إلى رأس مال كبير.
إيلون ماسك يحفّز الهبوط
وهذا يدفعنا إلى الحديث على المحفّز و ليس السبب الرئيس لحركة الهبوط و لكنه السبب الخامس.
وهو الخبر الذي نشرته جريدة وول ستريت جورنال مساء يوم الخميس أن شركة SpaceX المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك قامت بتخفيض قيمة ممتلكاتها من عملة البيتكوين بمجموع 373 مليون دولار أمريكي خلال السنتين الماضيتين.
ورغم أن شركة سبايس إكس لم تنفي أو تؤكد الخبر. ولا يزال غير معلوم بالضبط كم بيتكوين أو عملة مشفرة تحتفظ بها الشركة التي يملكها إيلون ماسك.
ورغم أن بعض المحللين أشار أن الأمر يتعلق بتخفيض القيمة الدفترية، لدوافع ضريبة. فإن ذلك لا يهم لقد كانت الشرارة التي ألهبت السوق.
فالسوق دائما يبيع الإشاعة ويشتري الخبر.
تصفية عقود الشراء البيتكوين والعملات المشفرة
الآن وصلنا ربما إلى السبب السادس و الرئيسي في الانهيار، (نعم إيلون ماسك ليس دائما السبب). و هو عمليات تصفية عقود الشراء على العملات الرقمية بقيمة ضخمة فاقت 1 مليار دولار خلال مدة 24 ساعة الماضية حسب بيانات Coinglass.
يرى بعض المحللين أن هيكل السوق والتصفيات كانت السبب المحتمل للانخفاض المفاجئ بدلاً من محفز أساسي فردي. خاصة وأن الظروف كانت مواتية. للكل الأسباب التي ذكرناها آنفا. وخاصة نقص السيولة في السوق.
جزء كبيرة من التحركات في سوق العملات المشفرة. كانت مدفوعة بشكل كبير بعمليات تصفية صفقات التداول في مختلف بورصات تداول العملات الرقمية.
فقد أظهرت بيانات من Coinglass تصفية كميات كبيرة من صفقات الشراء والبيع المفتوحة بالرافعة المالية (التداول بالهامش) على مختلف العملات المشفرة البيتكوين BTC وإيثيريوم ETH وأيضًا عملة ريبل XRP وغيرها.
القيمة الإجمالية لهذه التصفيات بلغت 1.04 مليار دولار خلال 24 ساعة الماضية. 835 مليون دولار كانت صفقات شراء للمتداولين الذين راهنوا على ارتفاع الأسعار (تؤدي إلى مزيد من الانخفاض في السعر).
وحصة الأسد من هذه التصفيات كانت على صفقات البيتكوين 498 مليون دولار، وايثيريوم 309 مليون دولار.
كانت هذه هي أكبر مستوى لعمليات تصفية البيتكوين (BTC) في يوم واحد منذ يونيو 2022، كما تظهر بيانات Coinalyze. وكان ذلك في الوقت الذي بلغ فيه سعر العملة المشفرة الرئيسية إلى 17,000 دولار.
التداول بالهامش في سوق العملات المشفرة وتصفية الصفقات
حتى نفهم ما حدث في السوق، لنشرح بعض المفاهيم.
تحدث عمليات التصفية في السوق عندما تغلق البورصة آليا صفقات التداول بالهامش (الرافعة المالية) المفتوحة. بسبب الخسائر وتراجع حجم الأموال في حساب المتداول إلى مستويات محددة.
عادة ما تتداول عقود المشتقات المستقبلية هذه باستخدام الهامش والرافعة المالية. بعبارة أخرى أن المتداول يقترض الأموال من البورصة لتداول بأحجام عقود أكبر.
عند التداول بالهامش، هناك مخاطر كبيرة تأتي معها. منها إذا تحرك السعر عكس المتوقع عند فتح العقد أي أن الصفقة خاسرة. في هذه الحالة يحق للبورصة (في الأسواق المالية تكون عادة شركة الوساطة) غلق عقود المتداول آليا لحماية أموالها التي أقرضتها.
وهذا يسمى نداء الهامش أو المارجن كول وهو مصطلح شهير جدًا بين المتداولين في سوق الفوركس. طبعًا هذا الغلق الإجباري سوف يتسبب في خسائر كبيرة للمتداولين.
إذن لنلخص ما حدث:
بداية من مخاوف أسعار الفائدة إلى إيلون ماسك دفعت الأسعار للهبوط لمستويات كان يعدها الكثير من المتداولين محمية بمستويات دعم قوية والسعر لن يبلغها.
ذلك أدى إلى تصفية بعض عقود صفقات الشراء في السوق الفوري والعقود المستقبلية. ما دفع السعر للهبوط أكثر وتفعيل تصفية صفقات شراء أكثر، من ثم هبوط السعر أكثر. وهكذا دخلنا في حلقة مفرغة من الهبوط.
تنبيه مخاطر مزيد من الهبوط أو الصعود
في الوقت الحالي، المتداولين في انتظار حكم المحكمة في قضية شركة Grayscale بشأن إصدار صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة (ETF). حيث من المتوقع أن يتم الإعلان عن الحكم يوم الجمعة.
سوف تنشر محكمة الاستئناف الفدرالية حكمها في قضية Grayscale V. SEC التي ستحدد ما إذا كانت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) كانت مخطئة رفضها المتكرر طلبات إنشاء صناديق ETF البيتكوين المقدمة من قبل شركة Grayscale.
من المتوقع أن يؤدي الحكم، لصالح Grayscale، إلى عودة السوق إلى الارتفاع. بينما الحكم لصالح هيئة SEC قد قد يزيد من الاضطرابات في الأسواق العملات المشفرة.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.