تعيش فرنسا موجة متصاعدة من الجرائم التي تستهدف روّاد قطاع العملات الرقمية المشفّرة، وسط تحوّل لافت في طبيعة التهديدات من هجمات إلكترونية إلى اعتداءات ميدانية واختطافات عنيفة تطال المستثمرين وعائلاتهم. وفي أحدث فصول هذه الظاهرة، أحبطت السلطات الفرنسية محاولة اختطاف جديدة استهدفت أحد المتعاملين في هذا السوق قرب مدينة نانت، لتضاف إلى سلسلة من الحوادث التي أثارت مخاوف واسعة النطاق، ودفعَت الحكومة إلى التدخل المباشر ووضع خطة لحماية مجتمع المتداولين. فهل تحوّلت الثروات الرقمية إلى نقمة في شوارع باريس؟
محاولة اختطاف فاشلة في نانت
أعلنت الشرطة الفرنسية أنها أحبطت محاولة لاختطاف أحد المتداولين في العملات الرقمية قرب مدينة نانت، غرب البلاد، وذلك يوم الإثنين الماضي. وقد أفضت العملية إلى اعتقال 24 شخصًا يُشتبه في انتمائهم إلى شبكة إجرامية منسّقة، كانت تُعدّ العدة لاختطاف ضحيتها، في مشهد يُعيد إلى الأذهان جرائم العصابات التي نشطت خلال الأشهر الماضية.
وبحسب جهات التحقيق، فإن هذه المحاولة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بحادثة وقعت قبل أسبوعين في باريس، استهدفت عائلة أحد كبار الشخصيات في مجال العملات الرقمية، بيير نوزا Pierre Noizat، المدير التنفيذي والمؤسس المشارك لمنصة Paymium، وهي من أقدم منصات تداول العملات الرقمية في أوروبا.
و أخرى في قلب باريس
تعرّضت ابنة بيير نوزا، وهي حامل في شهرها الخامس، لمحاولة اختطاف عنيفة صباح 13 مايو في شارع روش باشي بالدائرة 11 في باريس. وبينما كانت تسير مع طفلها الصغير، باغتها ثلاثة رجال ملثمين، محاولين دفعها إلى داخل شاحنة بيضاء.
رغم حالتها الصحية، أبدت مقاومة شجاعة، حيث نجحت في انتزاع سلاح أحد المهاجمين، وتبيّن لاحقًا أنه مجرد مسدس هوائي.
في هذه الأثناء، تدخل زوجها لمساندتها، لكنه تعرّض للضرب على يد المهاجمين. صراخهما جذب انتباه المارة، ليتدخّل أحد الجيران ويستخدم طفاية حريق في مواجهة الخاطفين، ما أجبرهم على الفرار. وقد تم نقل العائلة إلى المستشفى لعلاج إصابات طفيفة.
الحادثة، التي وثّقتها كاميرات المراقبة، شكلت صدمة في أوساط مجتمع العملات الرقمية في فرنسا، خاصة أن الضحية هي فرد من عائلة نوزا، التي تُمثل أحد أبرز الوجوه المعروفة في هذا القطاع منذ أكثر من عقد.
اختطاف والد ملياردير في العملات الرقمية وبترأصبعه
في الأول من مايو، اختُطف والد مستثمر فرنسي بارز في العملات الرقمية أثناء تنزهه مع كلبه في أحد أحياء باريس الراقية. تم احتجازه في أحد المنازل خارج العاصمة، وطالب الخاطفون بفدية تتراوح بين 5 و7 ملايين يورو.
لإجبار الابن على الدفع، أقدم المجرمون على بتر أحد أصابع الضحية، في تصعيد وحشي أثار استياءً واسعًا. بعد أكثر من يومين من الاحتجاز، شنّت الشرطة عملية مداهمة حررت الضحية وألقت القبض على عدد من المشتبه بهم.
قضية ليدجر: التعذيب من أجل مفاتيح المحفظة
في حادثة أخرى وقعت في يناير الماضي، كان دافيد بالاند David Balland، المؤسس المشارك لشركة Ledger – المتخصصة في حلول حفظ العملات الرقمية – هدفًا لعصابة خطف منظم. بالاند، الذي ارتفعت شهرة شركته بعد أن وصلت قيمتها إلى أكثر من مليار دولار، اختُطف من منزله برفقة شريكته.
خلال الاحتجاز، تعرّض للتعذيب، إذ بتر الجناة أحد أصابعه للحصول على رموز المرور الخاصة بمحافظه الرقمية. نُقل لاحقًا إلى المستشفى بعد إطلاق سراحه، بينما عُثر على شريكته مقيدة داخل صندوق سيارة. الشرطة اعتقلت تسعة أشخاص، من بينهم العقل المدبّر المفترض للعملية.
ردود فعل غاضبة... واتهامات بـ"المكسيكية"
أثارت هذه الحوادث سلسلة من ردود الفعل الغاضبة، لا سيما من قادة قطاع العملات الرقمية في فرنسا. إريك لارشفاك Éric Larchevêque، المؤسس المشارك لشركة Ledger، قال عبر تويتر:
"منذ أشهر، نشهد تصاعدًا مرعبًا في عمليات الخطف والابتزاز. في وضح النهار. في قلب باريس. بات النجاح في الأصول الرقمية، أو غيرها، أشبه بوضع هدف على ظهرك".
وأضاف محذرًا من تحوّل الوضع في فرنسا إلى ما وصفه بـ"المكسيكية". في إشارة إلى تفشي الجريمة المنظمة التي تطال رجال الأعمال والمستثمرين في بعض دول أمريكا اللاتينية.
تحرّك حكومي عاجل
استجابة لهذه الحوادث، دعا وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو Bruno Retailleau، إلى اجتماع طارئ مع كبار الفاعلين في قطاع العملات الرقمية منتصف مايو.
وقد أعلن خلاله عن خطة لتعزيز الإجراءات الأمنية، بما يشمل الحماية الجسدية للوجوه المعروفة في السوق. وتعاونًا أكبر بين القطاعين العام والخاص لرصد التهديدات ومنع تكرار هذه الاعتداءات.
توصيات أمنية للمتداولين
في ظل هذه التطورات، شدّد خبراء أمنيون على ضرورة التزام المتداولين بعدد من الإجراءات الوقائية. منها استخدام محافظ باردة، وتفعيل المصادقة الثنائية، وتجنّب مشاركة المعلومات الشخصية على الإنترنت، أو التباهي بالثروات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لم تعد مخاطر الأصول الرقمية حكرًا على الاختراقات السيبرانية. إنها اليوم تهديد واقعي يستهدف الأفراد في حياتهم اليومية، ويُلزم الجميع باليقظة، والسلطات بالتدخل الفوري.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
