تواجه سياسة الرسوم الجمركية الشاملة التي انتهجها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب اعتراضًا متصاعدًا، لا من خصومه السياسيين، بل من بعض أبرز الأسماء ثراءً وتأثيرًا في عالم المال والأعمال، ومنهم عدد من داعميه السابقين.
تصاعدت التحذيرات من نخبة وول ستريت بشأن تداعيات السياسة الحمائية التي تبناها ترامب، والتي تمثلت في فرض رسوم جمركية بنسبة 46% على واردات من فيتنام و34% على الصين.
هذه الإجراءات أثارت ذهول مستثمرين كبار اعتادوا دعم ترامب، وأشعلت موجة من القلق حول مستقبل الاستهلاك والنمو الاقتصادي.
ففي حين تتجه الأنظار إلى ما قد تكون عليه مفاوضات الرد، هوت الأسواق: تراجع مؤشر S&P 500 بنحو 20%، ودخل مؤشر ناسداك 100 منطقة السوق الهابطة، في حين خسر عملاق التكنولوجيا آبل ما يقارب 640 مليار دولار من قيمته السوقية خلال ثلاثة أيام فقط.
من "وول ستريت" إلى "وادي السيليكون" ، يتسع نطاق الانتقادات من قبل مليارديرات يصفون هذه السياسة بالحماية الاقتصادية المتهوّرة، محذّرين من أنها قد تفضي إلى ركود عالمي شامل.
ويؤكد المنتقدون أن الأسعار ستبقى مرتفعة، وأن الضريبة الاستهلاكية ستستمر في الظهور من خلال ارتفاع الأسعار.
كين لانغون: "لا أفهم ذلك"
لم يتردد كين لانغون Ken Langone، المؤسس الشريك لشركة "هوم ديبو" Home Depot والداعم الكبير للجمهوريين، في التعبير عن امتعاضه، إذ وصف الرسوم الجديدة بنسبة 46% على واردات فيتنام بأنها "هراء"، وانتقد المعدل المفروض على الصين بنسبة 34% بوصفه "مبالغًا فيه وفي توقيت غير مناسب".
وفي حديثه لصحيفة "فايننشال تايمز" Financial Times، قال لانغون: "لا أفهم المعادلة التي تعتمدها الإدارة. وأظن أن الرئيس ترامب تلقّى مشورة سيئة في ما يتعلق بملف التجارة".
كلمات لانغون تعكس استياءً متصاعدًا لدى الجمهوريين الداعمين لقطاع الأعمال، والذين كانوا ينظرون إلى ترامب كحليف لتحرير السوق، لكنهم باتوا يعتبرون سياساته التجارية غير متزنة وخطيرة.
بيل أَكمان: "شتاء اقتصادي نووي"
أما الملياردير ومدير صندوق التحوّط بيل أَكمان Bill Ackman، الذي دعم ترامب منذ عام 2024، فحذّر من أن البلاد على شفا كارثة اقتصادية من صنع أيديها.
وكتب أَكمان على منصة تويتر سابقًا (المعروفة الآن بـ "إكس" X): "نحن مقبلون على شتاء اقتصادي نووي، من صنع أنفسنا"، مؤكدًا أن إطلاق هذه الرسوم الجمركية عالميًا، وبمعدلات تفوق ما يُفرض على الولايات المتحدة، يُعدّ خطأ فادحًا.
وأضاف في منشور لاحق أن الاستمرار في تطبيق هذه السياسة دون توقف مؤقت سيدفع البلاد إلى وضع دفاعي خانق، داعيًا إلى مهلة تفاوضية تمتد لتسعين يومًا، لتجنّب المزيد من التدهور في ظروف السوق.
ورغم أن صندوقه "بيرشينغ سكوير" Pershing Square ليس معرّضًا مباشرة لتداعيات الرسوم، إلا أن أَكمان حذّر من تراجع ثقة المستهلكين والانكماش في الإنفاق، وهو ما انعكس في الانهيار التاريخي في سوق الأسهم، الذي شهد تبخّر ما يزيد عن 5 تريليونات دولار من القيمة السوقية خلال أيام معدودة.
كيمبال ماسك: ضريبة دائمة على المواطن الأمريكي
أعاد كيمبال ماسك التأكيد على أن الرسوم تمثّل ضريبة غير مباشرة على الشعب الأمريكي، حتى لو نجحت في إعادة بعض الوظائف إلى البلاد، إذ إن الأسعار لن تنخفض لأن الولايات المتحدة ليست بالكفاءة ذاتها في الإنتاج.
وفي رسالة موجّهة إلى ممثل التجارة الأمريكي، نبّهت شركة تيسلا إلى أن الرسوم الانتقامية من الدول المتضررة قد تؤثر سلبًا على أرباحها، رغم امتلاكها شبكة تصنيع عالمية.
وفي تغريدة أخرى، وصف كيمبال ترامب بأنه "أكثر الرؤساء الأمريكيين فرضًا للضرائب منذ أجيال".
جيمي ديمون: "عليكم حلّ هذا سريعًا"
اتخذ جيمي ديمون Jamie Dimon، المدير التنفيذي لـ "جي بي مورغان تشيس" JPMorgan Chase، نبرة أكثر اعتدالًا، لكنه لم يُخفِ قلقه، مشيرًا في رسالته السنوية للمساهمين إلى أن الآثار السلبية قد تتراكم بمرور الوقت ويصعب التراجع عنها لاحقًا.
رغم أنه لم يهاجم ترامب مباشرة، فإن ملاحظاته تمثل تحوّلًا في موقف قيادات "وول ستريت" الذين التزموا الصمت منذ إعادة انتخاب ترامب.
كبار رجال المال يرفعون أصواتهم ضد الرسوم الجمركية
انضم عدد من عمالقة المال إلى موجة الانتقادات، منهم:
- بواز وينشتاين Boaz Weinstein، مؤسس "سابا كابيتال" Saba Capital، الذي توقّع موجة من التخلف عن سداد سندات الشركات.
- هاورد ماركس Howard Marks، رئيس مشارك في "أوك تري كابيتال" Oaktree Capital، الذي حذّر من موجة من الشكوك في أوساط المستثمرين العالميين.
- دانيال لوب Daniel Loeb من "ثيرد بوينت" Third Point، الذي تساءل إن كانت الأيديولوجيا قد غلبت المنطق الاقتصادي.
- ستانلي دراكنميلر Stanley Druckenmiller أعاد التأكيد على معارضته الدائمة لأي رسوم تتجاوز 10%، واصفًا سياسة ترامب بأنها "خاطئة".
- راي داليو Ray Dalio، مؤسس "بريج ووتر أسوشيتس" Bridgewater Associates، أشار إلى أن السياسات الراهنة ستؤدي إلى نتائج "تضخمية راكدة بشكل كبير".
ترامب لا ينوي التراجع
رغم هذا السيل من التحذيرات، يبدو أن الرئيس ترامب ماضٍ في مساره، إذ قال للصحفيين: "لسنا بصدد وقف الرسوم الجمركية".
وقد أفادت إدارته بأن المزيد من الرسوم قد تُعلن قريبًا، خصوصًا إذا لم تقم دول كالصين وألمانيا برفع رسومها الانتقامية المفروضة على السلع الأمريكية قبل تاريخ 9 أبريل.
من جهته، أوضح وزير التجارة هاورد لوتنيك Howard Lutnick ووزير الخزانة سكوت بيسنت Scott Bessent أن الرسوم جزء من تكتيك تفاوضي، لافتين إلى أن أكثر من 70 دولة أبدت استعدادها للتفاوض مع البيت الأبيض. وقد تحظى اليابان بأولوية في تلك المباحثات، التي قد تمتد حتى يونيو.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
