منذ أكثر من عام، تغلغل مفهوم إزالة الدولار من احتياطات البنوك والتخلص من سيطرته دوليًا في السياسات العالمية. وتكتلت التحالفات التي تهدف إلى القضاء على هيمنة عصب الاقتصاد الأمريكي في اقتصادات باقي دول العالم. فماذا تعرف عن الدولرة؟ ومن يعمل على التخلص منها؟
منذ حوالي عام من الزمن، تكثف بعض دول العالم ذات القواعد الاقتصادية الضخمة جهودها لتقليص دور الدولا الأمريكي في الاقتصاد العالمي. وترمي مساعي دول عظمى مثل روسيا والصين إلى إنهاء هيمنة عملة العم سام وضرب الاحتياطي العالمي للدولار الأمريكي في مقتل.
نتائج العقوبات التي تفرضها أمريكا على أعدائها كلما شاءت تنعكس عليها
يبدو أن العديد من دول العالم، التي تنافس اقتصاداتها الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت في تشكيل التحالفات مع القوى الكبرى في العالم والاقتصادات الاستراتيجية لقلب الطاولة على الدولار الأمريكي.
فبعد سنوات من حصار أمريكا لأعدائها مثل روسيا وإيران عن طريق العقوبات الاقتصادية. يبدو أن روسيا قد تمكنت من تشكيل تحالف من شأنه ضرب الاقتصاد الأمريكي في عصبها الرئيسي. فقد تمكنت الكرملين من جمع البرازيل، الهند، الصين وجنوب افريقيا في تكتل يسمى "بريكس".
تضافرت جهود مجموعة البريكس منذ إنشائها لإزالة الدولار من وضعيته كمعامل "ألفا" في معادلة الاقتصاد العالمي وتقليص هيمنته دوليا. ويبدو أن نتائج العقوبات التي كانت تفرضها أمريكا على خصومها كلما اختلفوا ستنعكس عليها باكتساب المزيد من الخصوم في الأقاليم الاستراتيجية. خصوصًا وأن العديد من الدول الأخرى تسعى للانضمام إلى مجموعة البريكس.
وبشكل ما تلتقي الاستراتيجيات التي تتبعها دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) ومفهوم إزالة الدولرة في نقطة معينة. مما جعل الضجيج يتأجج حول نقاش الدولار.
لكن وإن تجاهلت أمريكا الإنذارات، فإنه على مايبدو، روسيا تفكر في رد الصاع صاعين لبلاد العم سام ومعاقبتها بقسوة عن طريق التسبب في شلل في عصب اقتصادها الرئيسي!
على الرغم من تعالي الأصوات التي تنبه إلى تراجع الدولار الأمريكي في الساحة الاقتصادية العالمية ووشك انهيار الاحتياطي العالمي له. إلا أن هناك بعض الأصوات التي لا تزال تطمئن الأمريكيين أن الضجيج المحيط بالتخلص من الدولار قد تم تضخيمه إعلاميًا فقط.
مع العلم أن هؤلاء يصرون أن هيمنة الاقتصاد الأمريكي هي من تمنح الدولار سيطرته! بينما تشير معطيات الاقتصاد الكلي العالمي أن الاقتصاد الأمريكي أصبح يعتمد بشكل أساسي على الاحتياطي العالمي للعملة!
الدولار الأمريكي أصبح الأقوى بين ليلة وضحايا وفقد قيمتها باستمرار
بعد الحرب العالمية الأولى. وبسبب بعد الحرب عن جغرافيتها، تحولت الولايات المتحدة الأمريكية، بين عشية وضحاها تقريبًا، القوة المالية الرائدة في العالم. حيث أصبحت أمريكا أقوى بكثير من نظيراتها الأوروبية التي أطاحت بها الحرب الداخلية في القارة العجوز.
ونتيجة لذلك، بدأ الدولار في إزاحة الجنيه الإسترليني كعملة احتياطية دولية. كما أصبحت الولايات المتحدة أيضًا متلقيًا مهمًا لتدفقات الذهب في زمن الحرب. ثم في عام 1944، اكتسب الدولار دورًا أكبر في الاقتصاد الدولي. عندما وقعت 44 دولة على اتفاقية بريتون وودز. مما أدى إلى إنشاء نظام تبادل عملات دولي مرتبط بالدولار والذي كان بدوره مرتبطًا بسعر الذهب.
ثم في بداية السبعينيات، أصبحت الصادرات الأوروبية واليابانية قادرة على المنافسة مع الصادرات الأمريكية. كان هناك معروض كبير من الدولارات حول العالم. مما يجعل من الصعب دعم الدولار بالذهب!
ثم في عام 1971، قرر الرئيس نيكسون توقيف التحويل المباشر للدولار إلى الذهب. ولم يأت هذ القرار عن طيب خاطر. بل نتيجة لاكتشاف فرنسا أن أمريكا كانت تطبع أموالًا أكثر مما تمتلكه من احتياطيات الذهب!
بالتالي أنهى قرار نيكسون المعيار الذهبي والحد الأقصى لكمية العملة التي يمكن طباعتها. لكن منذ ذلك الحين، فقدت العملة بشكل متزايد قوتها الشرائية.
لاحقًا في عام 1973، تم إنشاء نظام البترودولار، حيث وافقت السعودية على قبول الدولار حصريًا كوسيلة فريدة مقابل النفط. وهذا المرسوم اعتمد عليه الأمريكيون كثيرًا لدعم عملتهم!
ثم جاءت الأزمة المالية في عام 2008، وهناك تعقدت الأمور. بعدما تأثرت بلدان العالم من الأزمة الاقتصادية الأمريكية بسبب ارتباط احتياطات بنوكها بالدولار.
في البداية، صنعت صادرات الولايات المتحدة قوة اقتصادها. حين كانت أمريكا المصدر الأول لأغلب السلع الحيوية في العالم وكذلك المستورد الأول للطاقة. لكن مع بروز صادرات اليابان وأوروبا والصين، تراجع قوة الاقتصاد الأمريكي، وأصبح الاقتصاد يستمد هيمنته من ارتباط احتياطات البنوك المركزية العالمية بالدولار الأمريكي.
في عام 2014، بدأت روسيا في البحث عن مخرج من العقوبات التي فُرضت عليها. وكانت تلك أولى البوادر البارز نحو إزاحة الدولار من العرش. ثم لاحقًا ارتفع عدد خصوم أمريكا. وأصبح اللعب وفقًا لقواعدها مرفوضًا من عدد من القوى الاقتصادية البارزة!
البديل للدولار| هل سيعود العالم لاحتياط الذهب ؟
وبسبب القلق بشأن هيمنة أمريكا على النظام المالي العالمي، كانت دول أخرى تختبر بدائل لتقليل هيمنة الدولار. على سبيل المثال، بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، تعاونت موسكو وبيكين لإقامة تعاون بين أنظمتهما المالية دون وساطة الدولار.
أيضًا، تعمل روسيا وإيران معًا أيضًا لإطلاق عملة مشفرة مدعومة بالذهب. مع العلم أن البنوك المركزية (خاصةً الروسية والصينية) اشترت الذهب بأسرع وتيرة منذ عام 1967 مع تحرك الدول لتنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار.
وعلى نطاقات أضيق، إقليميًا، سعت دول متجاورة في أماكن متفرقة من العالم إلى إنشاء عملات إقليمية من شأنها إنهاء الهيمنة الأمريكية على المبادلات التجارية. مثلًا، ناقشت البرازيل والأرجنتين إنشاء عملة مشتركة لأكبر اقتصادين في أمريكا الجنوبية.
أيضًا، دعمت العديد من دول جنوب شرق آسيا، إزالة الدولرة . مثلًا، في عام 2019، اقترح رئيس الوزراء الماليزي، آنذاك، مهاتير محمد فكرة عملة تجارية مشتركة لشرق آسيا تكون مرتبطة بالذهب وبعيدة عن عملة العم سام.
وتسبيقًا لمصالحها، تقوم الإمارات العربية المتحدة بمحادثات حثيثة مع الهند لاستخدام العملة الهندية (الروبية) في تداول السلع غير النفطية في تحول بعيدًا عن العملة المسيطرة على العالم.
في الوقت نفسه، أعلنت المملكة العربية السعودية، أنها منفتحة على التبادل بعملات أخرى إلى جانب الدولار الأمريكي. حيث صرح وزير المالية السعودي عن انفتاح المملكة على قبول عملات غير الدولار الأمريكي مقابل النفط. ويبدو أنها الشعرة التي ستقصم ظهر أمريكا!
ونقل ماكرون صراع العملة المهيمنة إلى القارة العجوز. عندما قام الرئيس الفرنسي بتقديم صيحة لنظرائه الأوروبيين بوقف دعم الدولار، وعزل مصالح أوروبا عن صراع أمريكا والصينية!
علاوة على ذلك، أبدت دول البريكس اهتمامًا بتأسيس عملة احتياطي منافسة للدولار. كما تدل هذه القرارات على الاتجاه المستمر لفك الدولرة والخروج عن دورها غير المتنازع عليه سابقًا في التجارة والتمويل العالميين.
على الرغم من هذه الانقلابات، من الصعب التخلص من الدور السيادي للدولار في وقت قريب. خاصةً أن حوالي 59٪ من احتياطيات البنوك المركزية من العملات الأجنبية بالدولار.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.