هبطت الأسواق المالية العالمية بشكل حاد، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة واسعة النطاق، لا تقل عن 10% على الواردات من مختلف دول العالم، في محاولة لزيادة الإيرادات الفيدرالية، وتشجيع الصناعة المحلية.
القرار لم يتأخر في إحداث صدمة في أسواق المال، حيث شهدت المؤشرات الأمريكية والعالمية تراجعات كبيرة اعتُبرت الأعنف منذ أزمة جائحة 2020. وسط مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي وعودة شبح التضخم.
انهيار جماعي في مؤشرات الأسهم
تراجعت الأسواق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ للجلسة الثانية على التوالي، متأثرةً بالهبوط الحاد في مؤشر S&P 500 الأمريكي، الذي سجل أسوأ أداء يومي له منذ انهيار الأسواق خلال جائحة كوفيد-19 في عام 2020. وانخفضت أسهم شركات كبرى مثل نايكي، وآبل، وتارجت بأكثر من 9%.
في جلسة الخميس، خسر مؤشر S&P 500 نحو 4.8% من قيمته، ما يُعادل حوالي 2 تريليون دولار من رأس المال السوقي، في حين أغلق مؤشر داو جونز على انخفاض بنسبة 4%، وتراجع ناسداك بنحو 6%. وجاء هذا الانهيار امتدادًا لموجة بيع بدأت منذ منتصف فبراير، على وقع تصاعد التوترات التجارية.
اقرأ أيضا : لماذا سيتأخر تعافي سوق العملات الرقمية و ما علاقة سوق الأسهم الأمريكي؟
حلفاء واشنطن يردّون على "الحرب الاقتصادية"
أثار قرار ترامب استياء واسعًا بين الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، إذ أعلنت الصين التي ستخضع لرسوم جمركية إجمالية قدرها 54%، والاتحاد الأوروبي الذي سيُواجه تعريفة بـ 20%، عزمهما على الرد بالمثل.
ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشركات الأوروبية إلى تعليق استثماراتها المخطط لها في السوق الأمريكية، في ما يُمثّل تحركًا دفاعيًا ضد السياسات التجارية الأمريكية.
وفي خطوة مماثلة، أعلن رئيس وزراء كندا مارك كارني أن بلاده ستفرض رسمًا جمركيًا بنسبة 25% على واردات السيارات القادمة من الولايات المتحدة، ردًا على إجراءات ترامب. وكان الرئيس الأمريكي قد فرض الشهر الماضي رسومًا بنسبة 25% على الصادرات من كندا والمكسيك، دون أن يشمل قراراته الجديدة أي تعريفات إضافية على هذين البلدين.
ترامب: "الاقتصاد سينفجر نموًا"
خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، دافع ترامب عن قراراته، قائلًا: "نحن في عملية جراحية كبرى للاقتصاد، وهذه الرسوم ستؤدي إلى انتعاش شامل. الأسواق ستنتعش، والأسهم ستنتعش، والبلاد ستزدهر".
ورغم تأكيد مستشاريه أن الإجراءات ليست جزءًا من مناورة تفاوضية، ألمح ترامب إلى أنه منفتح على التوصل إلى اتفاق مع الشركاء التجاريين في حال قُدّمت له "صفقة مذهلة"، حسب تعبيره.
اقرأ أيضا : لماذا سيتأخر تعافي سوق العملات الرقمية و ما علاقة سوق الأسهم الأمريكي؟
انعكاسات مباشرة على الشركات والمستهلكين
تواجه الشركات اليوم خيارًا صعبًا: إما أن تتحمّل كلفة الرسوم الجمركية، أو تتقاسمها مع شركائها، أو تمررها إلى المستهلك النهائي، مما قد يُفضي إلى انخفاض في الطلب والمبيعات. وتشير بعض التقديرات إلى أن الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة يُمثل ما بين 10% إلى 15% من حجم الاقتصاد العالمي، مما يجعل أي تراجع فيه مؤثرًا عالميًا.
من جانبها، شركة Stellantis المصنعة لعلامات مثل "جيب" و"فيات"، أعلنت عن تعليق مؤقت للإنتاج في مصانعها بالمكسيك وكندا، وأكدت أن القرار سيؤدي إلى توقف العمل مؤقتًا في خمسة مصانع أمريكية تزود تلك المواقع، مما يؤثر على نحو 900 عامل.
أسهم الشركات الكبرى تتهاوى
كانت نايكي، التي تُنتج معظم ملابسها الرياضية في آسيا، من بين الأكثر تضررًا على مؤشر S&P، بهبوط بلغ 14%. كما فقدت آبل، التي تعتمد على الصين وتايوان في سلسلة التوريد، نحو 9% من قيمتها. وتراجعت أسهم تارجت بحوالي 10%. أما شركة هارلي-ديفيدسون، التي كانت قد واجهت تعريفات انتقامية من الاتحاد الأوروبي خلال الولاية الأولى لترامب، فقد انخفض سهمها بنسبة 10%.
في أوروبا، تراجعت أسهم أديداس بأكثر من 10%، في حين فقدت بوما نحو 9%. كما هبطت أسهم شركة المجوهرات باندورا بأكثر من 10%، وتراجعت مجموعة LVMH الفرنسية، المالكة للعلامات الفاخرة مثل "لويس فويتون"، بنسبة تجاوزت 3% بعد فرض رسوم على صادرات الاتحاد الأوروبي وسويسرا.
وقال "جاي وودز"، كبير استراتيجيي الأسواق العالمية في Freedom Capital Markets: "الأسواق تُعاني لأن الرسوم طالت دولًا لم تكن ضمن التوقعات، ونحن نترقّب المزيد من الاضطرابات".
الذهب يسجّل مستوى تاريخيًا والدولار يتراجع
وسط هذه الاضطرابات، صعد سعر الذهب إلى مستوى قياسي بلغ 3,167.57 دولار للأونصة قبل أن يتراجع لاحقًا، ما يُشير إلى زيادة الإقبال على الأصول الآمنة. في المقابل، تراجع الدولار الأمريكي أمام معظم العملات العالمية.
الاقتصاد العالمي في مهبّ الريح
حذّرت منظمة التجارة العالمية من أن الإجراءات الأمريكية قد تؤدي إلى انكماش في التجارة العالمية بنسبة 1% هذا العام. وقالت "سيما شاه"، كبيرة الاستراتيجيين العالميين في شركة Principal Asset Management، إن الاقتصاد الأمريكي قد ينزلق إلى ركود إذا لم تتبع هذه السياسات تحفيزات مالية مثل تخفيضات ضريبية واسعة.
وأوضحت أن الهدف المعلن بإنعاش التصنيع الأمريكي قد يستغرق سنوات، "إذا تحقق أصلًا"، بينما ستكون الآثار الفورية لهذه التعريفات سلبية على الاقتصاد مع فائدة محدودة على المدى القصير.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
