تتجه الأنظار مجددًا إلى عالم العملات الرقمية، وتحديدًا إلى عملة TRUMP، التي أصبحت حديث الساعة في الأسواق الإلكترونية، بعد إعلان منصتها الرسمية تنظيم حفل فاخر يُشارك فيه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بحضور نخبة من كبار المستثمرين. هذا الحدث، وإن بدا احتفاليًا من ظاهره، أثار موجة من التساؤلات حول تداخل المال الرقمي مع النفوذ السياسي، خاصة مع ما رافقه من صعود لافت في سعر العملة، وتحركات محمومة داخل السوق.
وبحسب ما ورد في الموقع الرسمي للمشروع، فإن أول 220 مستثمرًا ضمن التصنيف الزمني لحاملي عملة TRUMP سيكونون مدعوين لحضور حفل رسمي يوم 22 مايو، يُقام في نادي ترامب الوطني للغولف في واشنطن العاصمة.
يُذكر أن هذا الترتيب يُحدث تلقائيًا كل ساعة، بناءً على مبدأ "الاحتفاظ المرجّح زمنيًا"، أي أن المستثمر الذي يحتفظ بالعملة لفترة أطول يُمنح نقاطًا أعلى، بغض النظر عن عدد العملات التي بحوزته.
عودة الحماسة حول عملة TRUMPبسبب التسابق على العشاء
عقب الإعلان، شهدت السوق حركة نشطة غير مسبوقة، إذ اندفعت المحافظ الكبرى لشراء كميات ضخمة من العملة الرقمية، في محاولة لضمان موطئ قدم ضمن قائمة المدعوين.
وقد أفادت تقارير متطابقة أن 27 محفظة استثمرت ما يزيد عن 100,000 وحدة من العملة، أي ما يعادل نحو مليون دولار أمريكي لكل واحدة منها. هذا الإقبال المحموم رفع سعر العملة بأكثر من 30% دفعة واحدة، ليبلغ قرابة 12 دولارًا، ثم واصل الصعود إلى 16.17 دولارًا قبل أن يستقر عند حدود 13.4 دولارًا.

وقد كشفت منصة "Arkham Intelligence" عن اسم أحد كبار المستثمرين المؤهلين لحضور الحفل، وهو حساب يدعى "SUN"، يُعتقد على نطاق واسع أنه تابع لرائد الأعمال المعروف جاستن صن، مؤسس شبكة TRON.
هذا الحساب استخدم محفظة باردة على منصة HTX، تحتوي على ما قيمته 14.6 مليون دولار من عملة TRUMP، ما جعله من أبرز المؤهلين لهذا العشاء الاستثنائي.
من ناحية أخرى، تصدّر حساب يدعى "CHASE" قائمة الترتيب على الموقع الرسمي، مع أنه لا يُعدّ الأعلى من حيث الكمية المحتفظ بها، بل بسبب طول مدة الاحتفاظ، وهو ما يؤكّد أن المعايير لا تعتمد على الحجم وحده، بل على الولاء الزمني الذي يُعدّ من ركائز فلسفة المنصة.
الجدل يشتعل: بين العملات الرقمية والسياسة
لم تمر هذه الخطوة دون انتقادات واسعة. فقد أعرب عدد من السياسيين والمراقبين عن خشيتهم من أن تتحول هذه المبادرة إلى وسيلة لتسويق النفوذ السياسي من خلال المال الرقمي، خاصة في ظل الغموض القانوني الذي لا يزال يكتنف سوق العملات المشفرة في الولايات المتحدة. السيناتور الديمقراطي "كريس مورفي" وصف هذه الفعالية بأنها "أكثر مظاهر الفساد العلني لرئيس في التاريخ الحديث"، معتبرًا أن ربط الدعم السياسي بالولاء المالي يمس بجوهر النزاهة في منصب الرئاسة.
وقد أيد هذا الطرح عدد من المتخصصين في العملات الرقمية، أبرزهم "آدم كوكران"، الشريك في صندوق Cinneamhain Ventures، الذي علّق عبر تويتر قائلًا:
"هم يطلقون هذا الهراء قبل ثلاثة أيام فقط من فتح قفل التوكنات الخاصة بالفريق، بمعدل 4 ملايين دولار يوميًا. كيف لا يُعدّ ذلك محاولةً لشراء التأييد؟".
اقرأ أيضا : انتقادات واسعة لإطلاق عملة الميم ترامب: استغلال سياسي ومالي قد يضر بالسوق
من بطاقات NFT إلى عملة الميم: النمط يتكرر
يعكس هذا الحفل تكرارًا لنمط بات مألوفًا في عالم ترامب الرقمي، حيث استُخدمت سابقًا بطاقات NFT – مثل بطاقة "صورة التوقيف" الشهيرة – كوسيلة لتوفير امتيازات وذكريات رقمية حصرية. واليوم، تعود هذه الممارسات، ولكن عبر العملة الرقمية ذاتها، التي تمنح حامليها وصولًا استثنائيًا وامتيازات نخبوية على أرض الواقع، ما يُجسد امتزاجًا متزايدًا بين الاقتصاد الرقمي والمكانة الاجتماعية.
وراء الكواليس: هيمنة مريبة ومكاسب ضخمة
لا تتوقف الانتقادات عند الجانب الأخلاقي، بل تتعداه إلى الشبهات المالية والتلاعب بالسوق. إذ كشفت تقارير سابقة أن 80% من إجمالي المعروض من عملة TRUMP مملوك لشركات على صلة بترامب نفسه، من بينها CIC Digital LLC وFight Fight Fight LLC. هذه السيطرة المؤسسية منحت هذه الكيانات قدرة شبه مطلقة على التحكم في السوق، حيث جمعت – بحسب تقديرات – أكثر من 100 مليون دولار من رسوم التداول خلال أسبوعين فقط.
المفارقة أن هذا النجاح المؤسسي رافقه خسائر فادحة لصغار المستثمرين الذين انساقوا وراء موجة الشراء دون إدراك لمخاطر السوق، ليجد كثير منهم أنفسهم أمام هبوط مفاجئ في قيمة العملة عقب انطلاق عملة ميم أخرى تحمل اسم "ميلانيا ترامب"، والتي أثارت موجة جديدة من الجدل والتساؤلات حول وجود تنسيق أو استغلال ممنهج.
اقرأ أيضا : قصة عملة الميم ترامب: كيف اُستنزفت 100 مليون دولار من المستثمرين الصغار كرسوم تداول
إطلاق مثير، وسقوط مدوٍ
عملة الميم TRUMP أُطلقت رسميًا في 17 يناير 2025، أي قبل أقل من أسبوع على تنصيب ترامب كرئيس محتمل بعد الانتخابات، وارتفعت قيمتها السوقية إلى نحو 14.5 مليار دولار خلال ساعات، ". غير أن هذه القيمة لم تصمد طويلًا، إذ تراجعت بنسبة 84% بعد أسابيع قليلة، لتصل إلى ما يقارب 2.3 مليار دولار، مع تراجع الثقة، وزيادة التقلبات، وتنامي الاتهامات بالتضليل والاستغلال.
خلاصة القول: حدود العملات الرقمية المشفرة أمام السياسة
في ظل هذه المعطيات، تطرح حالة عملة TRUMP نموذجًا صادمًا لتقاطع السياسة بالتكنولوجيا المالية الحديثة، حيث تتداخل الطموحات الرقمية مع الاستراتيجيات الانتخابية، ويتحول الدعم الانتخابي إلى "رصيد رقمي" يتقلب في بورصة الولاء والمصلحة. وبينما يرى البعض في ذلك استغلالًا صريحًا للنفوذ، يعتبره آخرون نموذجًا مبتكرًا لتفعيل الدعم السياسي في عصر التحول الرقمي.
غير أن الخطر الأكبر يكمن في الغموض القانوني الذي يحيط بهذه المبادرات، وفي غياب إطار تنظيمي صارم، قد يجد المستثمرون أنفسهم وقودًا لتجارب سياسية – رقمية لا تراعي مبادئ الشفافية والعدالة. وبين وعد بالربح السريع، وشبهات التلاعب، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تستحق عملات الميم هذا القدر من الثقة، أم أن الحفل مجرد فخّ آخر بأضواء ذهبية؟
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
