في تحول لافت في مسار السياسة الخارجية الأمريكية، تدرس إدارة دونالد ترامب استخدام تكنولوجيا البلوكتشين لإعادة هيكلة وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID)، بدلًا من تفكيكها كما كان يطمح إيلون ماسك.
المبادرة، التي تهدف حسب القائمين عليها إلى تعزيز الشفافية والفعالية، تأتي في توقيت حساس يشهد تجميدًا للتمويلات وملاحقات قانونية بشأن مستقبل الوكالة.
خطة إصلاح جذرية: من USAID إلى "وكالة المساعدات الإنسانية الدولية"
وفقًا لوثيقة داخلية صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية ونشرتها Politico، فإن مجموعة من المقربين السابقين من ترامب يعملون على خطة لإعادة هيكلة وكالة USAID بشكل كامل.
وتشمل الخطة تغيير اسم الوكالة إلى "وكالة الولايات المتحدة للمساعدات الإنسانية الدولية" (U.S. Agency for International Humanitarian Assistance)، ووضعها تحت الإشراف المباشر لوزير الخارجية.
لكن اللافت في الخطة هو تبنّي البلوكتشين كأداة رقابة لتتبع توزيع المساعدات. ووفق ما ورد في الوثيقة:
"ستُستخدم تكنولوجيا البلوكتشين لتتبع توزيع المساعدات، بهدف رفع مستويات الأمان، والشفافية، وقابلية التتبع."
هذا المقترح يُنظر إليه كجزء من مسعى أكبر لإعادة ضبط عمليات الإنفاق الخارجي، ضمن رؤية إدارة ترامب لتقليص البيروقراطية في المؤسسات الفيدرالية، لا سيما تلك العاملة خارج الحدود.
هل تصبح البلوكتشين أداة رقابية أم وسيلة لإعادة الثقة؟
في قلب المشروع، تتكرس فكرة التحول من بيروقراطية مفرطة إلى إدارة قائمة على "النتائج" والمقاييس المستقلة، مع الابتعاد عن التقييم الذاتي للبرامج، وهو ما يُروج له كبديل أكثر كفاءة وعدالة.
وفي هذا السياق، تأتي البلوكشين كأداة محتملة لإعادة الثقة، سواء بالنسبة للمانحين أو الجهات الرقابية، إذ يمكنها ـ نظريًا ـ توفير سجلات لا يمكن التلاعب بها لتتبع مسارات التمويل، ما يقلل من احتمالات الفساد والهدر، خاصة في مناطق النزاع أو الدول ذات الهياكل الهشة.
لكن البعض يرى في هذه التكنولوجيا وسيلة رقابة مشددة تخدم أجندة تقليص دور الحكومة الفيدرالية، وهو المشروع الذي يقوده Department of Government Efficiency (D.O.G.E.)، وهو كيان تم تأسيسه بدعم من إيلون ماسك، ويسعى لتقليص حجم الدولة ومصروفاتها في الملفات "غير الأمريكية".
USAID في مهب الريح: بين القضاء والسياسة والتكنولوجيا
يُذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد علّقت منذ يناير الماضي المدفوعات للمنظمات الشريكة مع USAID، كما وضعت الموظفين في إجازات إدارية قسرية، وهي خطوة وصفها بعض الخبراء بأنها انتهاك محتمل للدستور.
وقد تدخّل القضاء مؤخرًا، حيث أصدر قاضٍ فيدرالي أمرًا قضائيًا مؤقتًا لمنع تفكيك الوكالة، ردًا على التحركات الجذرية التي تقودها DOGE.
في هذه الأجواء، يُنظر إلى إدخال البلوكتشين في إدارة المساعدات كحل وسط، يرضي الرغبة في تقليص الإنفاق دون تعطيل البرامج القائمة كليًا. لكن لا تزال تفاصيل التنفيذ غامضة، خاصة مع ضرورة الحصول على موافقة الكونغرس لتغيير الهيكل الرسمي للوكالة، رغم إمكانية تنفيذ بعض الإجراءات بقرارات رئاسية مباشرة.
بين الشكوك والطموحات: هل تنجح البلوكشين في تغيير المساعدات الخارجية؟
من المفارقات أن فكرة إدخال البلوكتشين في المجال الإنساني ليست جديدة، إذ سبق أن طُرحت في أوساط أكاديمية منذ عام 2018 كوسيلة لمحاربة الفساد.
لكن الفرق اليوم هو أن هذه التكنولوجيا لم تعد مجرّد نظرية، بل أصبحت في صلب مشروع سياسي يمزج بين التقشف المالي والسيطرة التكنولوجية، وهو ما يثير أسئلة عن الأهداف الحقيقية وراء هذا التوجه: هل هو تحديث أم انكماش؟ رقابة أم إصلاح؟
في كل الأحوال، ما يجري في واشنطن اليوم قد يشكل نقطة تحول تاريخية في طريقة تعامل القوى الكبرى مع ملف المساعدات الإنسانية، لا سيما في ظل تصاعد الأزمات العالمية وضغوط الناخب الأمريكي نحو "الداخلية أولاً".
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
