ما الذي يحدث عندما يجتمع عالم العملات الرقمية بعالم السياسة؟ ببساطة، تحصل على فوضى مالية تشبه فيلم إثارة من هوليوود! وهذا بالضبط ما حدث مع عملة ليبرا ($LIBRA)، التي قفزت إلى السماء بعد أن أبدى الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي اهتمامه بها، ثم تحطمت على الأرض تاركة وراءها خسائر تقدر بـ99 مليون دولار! هل كانت مجرد ضربة حظ سيئة؟ أم أن هناك خدعة محبوكة؟ هذا ما سنكتشفه في القصة الكاملة لهذه العملة المثيرة للجدل.
ليبرا: الحلم الذي تحول إلى كابوس
في البداية، لم يكن أحد يعرف شيئًا عن عملة ليبرا، كانت مجرد عملة رقمية أخرى تبحث عن مكان في سوق يعج بعملات الميم والعملات المشفرة الجديدة. ولكن كل شيء تغير عندما قام الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي بالإشارة إليها في تغريدة على منصة X (تويتر سابقًا).
فجأة، تحولت ليبرا إلى حديث الساعة، وقفزت قيمتها إلى أكثر من 4.50 دولار، مما جعل المستثمرين يتهافتون عليها وكأنها التذكرة الذهبية إلى الثراء السريع! لكن كما يقول المثل: ما طار طيرٌ وارتفع، إلا كما طار وقع!
بعد ساعات من الصعود الصاروخي، بدأت الأمور تتخذ منحى غامضًا. وفقًا لتقارير من Chainalysis وNansen، تم سحب حوالي 99 مليون دولار من مجمع السيولة الخاص بليبرا، ما أدى إلى انهيار سعر العملة بشكل مفاجئ. وكانت المفاجأة الأكبر أن هذه الأموال تم تتبعها إلى محافظ مرتبطة بمُنشئي العملة أنفسهم!
فجأة، تحولت ليبرا من "فرصة استثمارية" إلى فضيحة مالية، وبدأت أصابع الاتهام تُشير إلى احتمال وجود عملية احتيال تعرف باسم "سحب البساط" (Rug Pull)، وهي الخدعة التي يقع فيها المستثمرون حين يقوم منشئو العملة بالترويج لها ورفع قيمتها قبل أن يبيعوا حصصهم ويسحبوا السيولة، تاركين المستثمرين في مهب الريح.
كواليس إطلاق ليبرا: تفاصيل صادمة عن كيفية نشأة العملة
عملة ليبرا ($LIBRA) لم تكن مجرد تجربة عشوائية في عالم العملات الرقمية، بل كان وراءها تخطيط دقيق، وحتى اسمها لم يكن اعتباطيًا. فقد تم إصدارها من قبل هايدن ديفيس، وهو رجل أعمال يدير شركة استثمارية في العملات الرقمية تدعى Kelsier Ventures.
ومن اللافت أن العملة لم تكن مدعومة من كيان مالي واضح، بل كان لها صلة غير مباشرة بمنصة KIP Protocol، وهي شركة تعمل في تطوير الذكاء الاصطناعي اللامركزي. إلا أن KIP سارعت إلى التنصل من المشروع، مؤكدة أنها لم تكن جزءًا من الإطلاق، بل تمت دعوتها بعد ظهور ليبرا لإدارة بعض الجوانب التقنية.
لكن المثير في القصة أن شراء ليبرا كان يتم عبر موقع يحمل اسم vivalalibertadproject.com، وهو اسم مشتق من عبارة يستخدمها الرئيس ميلي كثيرًا في خطاباته السياسية. كما أن اسم ليبرا نفسه يتشابه مع اسم حزب الرئيس السياسي "لا ليبرتاد أفانزا" (La Libertad Avanza)، مما زاد الشكوك حول مدى ارتباط ميلي بالعملة منذ البداية.
وفقًا لتقرير نشرته CNN، فإن التوقيت الذي ظهرت فيه عملة ليبرا كان مشبوهًا للغاية. فقد تم إنشاء العملة قبل دقائق فقط من تغريدة ميلي التي روجت لها، كما أن النطاق الخاص بالموقع الرسمي لها تم تسجيله في نفس اليوم، وهو ما أثار الشكوك حول وجود تنسيق مسبق بين جهات معينة لتحقيق مكاسب سريعة.
وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الأرجنتيني يُعلن أن ليبرا ستساعد الاقتصاد وتمول الشركات الناشئة، كانت معظم العملات محتجزة في عدد محدود جدًا من المحافظ الرقمية. ومع انتشار الخبر، ارتفع سعر ليبرا من الصفر تقريبًا إلى 5 دولارات خلال ساعات قليلة، وبلغت قيمتها السوقية 4 مليارات دولار!
ولكن بعد فترة قصيرة، ظهرت ملاحظة توضيحية (Community Note) على تغريدة الرئيس، تحذر المستخدمين من أن العملة قد تكون عملية "سحب البساط" (Rug Pull)، مما أدى إلى تصاعد الشكوك حولها. وبعدها بساعات، حذف ميلي تغريدته، معلنًا أنه لم يكن يعلم "بالتفاصيل الكاملة" للعملة وأنه قرر عدم الترويج لها.
هل الرئيس ميلي متورط؟ الحقيقة التي أربكت الجميع
لم يقتصر الجدل على الخسائر المالية فحسب، بل دخلت السياسة على الخط، خاصة بعد أن حذف الرئيس ميلي تغريدته عن ليبرا، ونفى أي علاقة له بالعملة. لكن القضاء الأرجنتيني لم يكن مقتنعًا بسهولة، حيث بدأ تحقيقًا رسميًا لمعرفة ما إذا كان للرئيس أي ارتباط مباشر أو غير مباشر بالعملة المنهارة.
كانت لهذه الفضيحة تداعيات كبيرة على سوق العملات الرقمية في الأرجنتين، حيث أعرب المستثمرون عن غضبهم، بينما التزمت منصات التداول مثل Meteora، التي شهدت انطلاق العملة، الصمت ولم تقدم أي توضيحات. على الصعيد العالمي، تم عقد مقارنات بين هذه الحادثة وحالات سابقة لعملات رقمية شهدت انهيارات مماثلة بعد ترويج سياسي.
الرئيسة السابقة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، وهي من أبرز خصوم ميلي، هاجمته بشدة، مؤكدة أن آلاف المواطنين خسروا ملايين الدولارات بسبب تصديقه، في حين حقق آخرون ثروات من خلال معلومات مسبقة.
وفي خطوة غير متوقعة، أعلن مكتب ميلي عن فتح تحقيق رسمي في القضية، بمشاركة مكتب مكافحة الفساد، وذلك لتحديد ما إذا كان هناك أي سوء تصرف حكومي، بما في ذلك من قبل الرئيس نفسه.
وفي حين أن ميلي ينفي أي علاقة مباشرة له بالقضية، إلا أن أصابع الاتهام لا تزال تشير إليه، خاصة مع اجتماعاته السابقة بمؤسسي العملة في أكتوبر 2024 ويناير 2025.
انفجار السوق ... الكثير من عدم اليقين
لم يكن انهيار ليبرا تدريجيًا، بل كان انفجارًا ماليًا كارثيًا. فخلال ثلاث ساعات فقط من إطلاقها، بدأت عمليات سحب الأموال من محافظ داخلية مرتبطة بمُنشئي العملة. ووفقًا لمنصة Bubblemaps، تم سحب 87.4 مليون دولار خلال أول ثلاث ساعات فقط!
وبحسب تحليلات السوق، فإن 82% من إجمالي العملات كانت مملوكة لمحفظة واحدة فقط، ولم يتم تقديم أي معلومات واضحة حول التوزيع العادل للعملة بين المستثمرين. في غضون خمس ساعات فقط، تم القضاء على أكثر من 4.4 مليار دولار من القيمة السوقية للعملة، لتتحول إلى مجرد أصول عديمة القيمة بين أيدي المستثمرين الذين خسروا أموالهم بين ليلة وضحاها.
أما هايدن ديفيس، صاحب الفكرة، فقد اعترف بأنه ما زال يحتفظ بجزء من الأرباح رغم الانهيار، مما زاد من الشكوك حول كونه العقل المدبر لهذه الفضيحة المالية. وأن أن ما حدث لم يكن احتيالًا بل مجرد "خطة فاشلة"، مشيرًا إلى أنه لا يزال يحتفظ بحوالي 100 مليون دولار ويخطط لإعادة استثمارها. لكن بالنسبة للمتضررين، لم تكن هذه التصريحات أكثر من محاولة للتغطية على خسائرهم الفادحة.
لماذا يقتحم السياسيون عالم العملات الرقمية؟
مع تزايد الفضائح المرتبطة بالعملات الرقمية، يُطرح السؤال: لماذا أصبح السياسيون مهتمين بهذا المجال؟ الحقيقة أن الأمر ليس جديدًا، فقد سبق أن قام دونالد ترامب وزوجته بإطلاق عملتهم الرقمية الخاصة، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات حول مدى أمان هذه الاستثمارات حينما تتداخل مع المصالح السياسية.
في حالة ليبرا، تبرز مخاوف حقيقية من استغلال السياسيين نفوذهم للترويج لأصول مالية غير منظمة، مما يزيد من احتمالية الخداع والتلاعب بالسوق.
مع استمرار التحقيقات، يترقب المستثمرون ما إذا كانت هناك فرصة لاسترداد أموالهم، لكن الأمور تبدو ضبابية. في حين تعمل شركات مثل Chainalysis وNansen على تتبع الأموال المسحوبة، إلا أن استعادة السيولة المفقودة تبدو مهمة صعبة.
هذه الحادثة تُعيد تسليط الضوء على المخاطر الكبيرة للاستثمار في العملات الرقمية غير المنظمة، خاصة تلك المرتبطة بشخصيات سياسية قد تستغل شهرتها لدفع المستثمرين إلى قرارات غير محسوبة.
هل انتهت القصة أم أنها مجرد البداية؟
عملة ليبرا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة الفضائح المالية المرتبطة بالعملات الرقمية، لكن السؤال الحقيقي هو: هل سيتعلم المستثمرون الدرس؟ أم أن طمع الربح السريع سيقودهم مجددًا إلى فخ العملات المشبوهة؟
حتى الآن، لا توجد أي إشارات على إمكانية تعويض المستثمرين، خاصة وأن عمليات السحب تمت من خلال محافظ مجهولة تسيطر عليها جهات غير معروفة. ومع استمرار التحليلات التي تجريها شركات مثل Chainalysis وNansen، يأمل البعض في أن يتمكنوا من تعقب الأموال واستعادتها، لكن الأمر يبدو صعبًا للغاية.
من جهة أخرى، يعيد هذا الحدث تسليط الضوء على خطورة عملات الميم والعملات الرقمية غير المنظمة، خاصة عندما تتداخل مع السياسة. فالاستثمار في العملات الرقمية يحمل دائمًا مخاطر عالية، لكن عندما يُروّج لها شخصيات سياسية، فإن المخاطر تتضاعف بشكل لا يمكن التنبؤ به.
في النهاية، تبقى ليبرا مثالًا حيًا على كيف يمكن أن يتحول الحلم الرقمي إلى كابوس مالي في لمح البصر، وكيف يمكن لمنشئي العملات والمروجين أن يجنوا الملايين فيما يُترك المستثمر العادي يتساءل: أين ذهبت أموالي؟!
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
