نايب بوكيلي، الرئيس ذو الأصول الفلسطينية، أحدث انقلاباً في السلفادور بسياسات جريئة لمكافحة الجريمة ورهان غير مسبوق على البيتكوين. فكيف صنع هذا السياسي الشاب مسيرته المثيرة للجدل؟
من رجل أعمال إلى سياسي بارع: جذور نايب بوكيلي الفلسطينية
ولد نايب أرمندو بوكيلي أورتيز في 24 يوليو 1981 في سان سلفادور، لعائلة تحمل جذورًا فلسطينية وسلفادورية. والده، رجل أعمال ناجح، لعب دورًا في تشكيل تفكيره الاستثماري، بينما نشأ في بيئة متأثرة بالسياسة والاقتصاد.
بعد حصوله على الثانوية عام 1999، التحق بجامعة أمريكا الوسطى لدراسة القانون، لكنه سرعان ما ترك الدراسة لينضم إلى شركة والده "Nölck" للإعلانات. لم يستغرق الأمر طويلاً حتى أسس شركته الخاصة في التسويق، "Obermet"، التي لعبت دورًا محوريًا في الحملات الدعائية لحزب جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (FMLN)، الذي كان في الأصل تحالفًا بين حركات ثورية ماركسية.
هذه التجارب صقلت مهاراته الإدارية وعمقت اهتمامه بالسياسة، حيث كانت رؤيته تتجاوز مجرد إدارة الأعمال نحو صنع تأثير حقيقي في بلاده.
الطريق إلى السياسة: بوكيلي يصنع اسمه
بدأ بوكيلي مشواره السياسي عام 2011 من خلال انضمامه إلى حزب FMLN، ومن ثمّ تم انتخابه عام 2012 كعمدة لمدينة "نويفو كوسكاتلان". منذ لحظاته الأولى في السلطة، أظهر نهجًا غير تقليدي، حيث أطلق مشروع تصوير جوي للسلفادور باستخدام منطاد، كما أنشأ طريقًا سريعًا يربط مدينته بعدة مناطق أخرى، مما عزز مكانته كقائد طموح.
كان تمويل مشاريعه يعتمد إلى حد كبير على شركة ALBA Petroleos، التابعة لمؤسسة النفط الفنزويلية PDVSA، والتي اشتهرت لاحقًا باستخدامها للعملات الرقمية في معاملاتها المالية.
في 2015، تولى بوكيلي منصب عمدة سان سلفادور، حيث ركز بشكل أساسي على مكافحة الجريمة، مما رسّخ سمعته كإصلاحي يسعى إلى تغيير الواقع الأمني المضطرب في البلاد.

لكن هذه الفترة لم تخلُ من الأزمات، فقد اتُهم بالتفاوض مع العصابات واستخدام وسائل إعلام مزيفة للترويج لإنجازاته. ومع تصاعد الخلافات مع حزب FMLN، تم طرده منه في 2017، مما دفعه إلى تأسيس حزبه الخاص "أفكار جديدة" (Nuevas Ideas)، ليخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2019.
الرئاسة والرهان على الأمن: كيف أسقط بوكيلي العصابات؟
في فبراير 2019، فاز بوكيلي بالرئاسة بنسبة 53% من الأصوات، وهو حدث غير مسبوق، إذ لم يفز أي مرشح خارج الحزبين الرئيسيين في البلاد منذ 1984.
اتخذ بوكيلي نهجًا مختلفًا في حكمه، حيث تخلى عن التصنيفات التقليدية لليمين واليسار، واستخدم تويتر (X) كمنصة أساسية لإدارة شؤون الدولة، مستفيدًا من صورته كرئيس من جيل الألفية.
لكن قراراته الأكثر تأثيرًا كانت حربه ضد العصابات. كانت السلفادور في ذلك الوقت واحدة من أخطر الدول في العالم بسبب العصابات الإجرامية. لذلك، أطلق بوكيلي حملة أمنية غير مسبوقة تضمنت اعتقالات جماعية واسعة النطاق، مما أدى إلى انخفاض حاد في معدلات الجريمة.
لكن هذه الإجراءات أثارت قلق منظمات حقوق الإنسان، التي وصفت سياسته بأنها انتهاك صارخ لحقوق المواطنين. لكن بوكيلي لم يعر هذه الانتقادات اهتمامًا، بل تبنى السخرية منها، واصفًا نفسه بـ"الديكتاتور الرائع".
القرار المصيري: السلفادور تراهن على البيتكوين
في 2021، وبينما كانت السلفادور تواجه ضغوطًا مالية بسبب دولرة اقتصادها واعتمادها الكلي على الدولار الأمريكي، قرر بوكيلي تنفيذ خطوة غير متوقعة: اعتماد البيتكوين كعملة قانونية، ليصبح أول رئيس في العالم يُقدم على هذه الخطوة.
أقر قانون "بيتكوين" في نفس العام، وأطلقت الحكومة محفظة رقمية "Chivo"، حيث تم توزيع البيتكوين مجانًا على المواطنين لتشجيعهم على تبني التقنية.
كان الهدف من هذه المبادرة تقليل الاعتماد على الدولار، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص اقتصادية جديدة. لكن النتائج جاءت متباينة:
- في 2024، تبين أن 92% من المواطنين لا يستخدمون البيتكوين، ويفضلون البقاء على الدولار.
- لكن ارتفاع قيمة البيتكوين ساعد الحكومة على تحقيق أرباح ضخمة، ما دفع بوكيلي إلى تعزيز استثمارات الدولة فيه، حيث أعلن أن السلفادور تشتري 1 بيتكوين يوميًا منذ عام 2021.
رغم ذلك، واجهت سياسة بوكيلي مقاومة شرسة من المؤسسات المالية العالمية، خاصة صندوق النقد الدولي (IMF)، الذي رفض منح قروض للسلفادور ما لم يتم إلغاء أو تعديل قانون البيتكوين، بحجة أنه يعرض استقرار الاقتصاد للخطر.
ولاية ثانية رغم الجدل: هل بوكيلي فوق القانون؟
في 2024، أعيد انتخاب بوكيلي بنسبة 84% من الأصوات، بعد أن أصدرت المحكمة العليا قرارًا يسمح له بالترشح لولاية ثانية، وهو ما اعتبره معارضوه انتهاكًا للدستور.
واصل في ولايته الثانية تنفيذ سياساته الأمنية القوية ضد العصابات، كما عزز خططه الاقتصادية المرتبطة بالبيتكوين، مستغلاً ارتفاع سعر العملة لتعزيز صورته كرئيس اقتصادي ناجح.
ورغم الانتقادات الدولية المتواصلة، وجد بوكيلي دعمًا غير متوقع من شخصيات عالمية مثل إيلون ماسك ودونالد ترامب، اللذين أبديا إعجابًا بأسلوبه الجريء في الحكم.
بوكيلي بين المغامرة والابتكار: رئيس لا يشبه غيره
سواء أكان مصلحًا جريئًا أم مستبدًا متنكرًا بثوب التحديث، لا شك أن نايب بوكيلي شخصية غير اعتيادية في المشهد السياسي العالمي.
فهو الرجل الذي حارب العصابات بقبضة حديدية، واستخدم تويتر لإدارة البلاد، وجعل البيتكوين عملة قانونية رغم اعتراض العالم. شعبيته الداخلية ما زالت في أعلى مستوياتها، حيث لم تنخفض نسب تأييده تحت 75% منذ توليه الحكم.
وبينما يراه البعض قائدًا حقيقيًا يقود بلاده إلى مستقبل اقتصادي جديد، يراه آخرون مستبداً يغامر بمصير السلفادور. لكن الحقيقة تبقى واحدة: نايب بوكيلي صنع التاريخ، وسيبقى اسمه مرتبطًا بواحدة من أكثر الرهانات جرأة في العصر الحديث.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
