في زمن تتغير فيه قواعد اللعبة المالية بسرعة، ظهرت العملات المستقرة كأحد أكثر الابتكارات الرقمية إثارة للجدل. من المصارف الكبرى إلى شركات التكنولوجيا الناشئة، الجميع يريد قطعة من الكعكة الرقمية، فهل نحن مقبلون على طفرة تنقلنا إلى نظام مالي جديد؟ أم على فوضى من العملات المتشابهة تفتت السوق وتربك المستخدمين؟
لماذا تتسابق المؤسسات لإطلاق عملاتها المستقرة الخاصة؟
شهد العام الماضي ارتفاعًا غير مسبوق في استخدام العملات المستقرة، إذ قفزت قيمة التعاملات الشهرية من 521 إلى 710 مليارات دولار. وعدد المحافظ الفريدة التي تتداول هذه العملات بلغ 35 مليونًا، بزيادة 50٪.
ما دفع المؤسسات المالية التقليدية، مثل JP Morgan وروبنهوود، إلى الانخراط في هذا السباق، هو التغيرات التنظيمية الجوهرية، خصوصًا مع إقرار الكونغرس الأمريكي لقانون GENIUS Act، أول إطار فيدرالي منظم لهذا النوع من الأصول الرقمية.
هذه العملات لا تقتصر أهميتها على الأسواق الغربية، بل أصبحت وسيلة حيوية للتحايل على تعقيدات النظام المصرفي التقليدي في البلدان النامية.
على سبيل المثال، تقوم شركة SpaceX بتحويل عائدات بيع خدمة ستارلينك في الأرجنتين ونيجيريا عبر عملات مستقرة، متجاوزة بذلك العقبات البنكية التقليدية.
👈 اقرأ المزيد: دليل شامل لفهم ترميز أصول العالم الحقيقي (RWA) وتأثيرها على الاقتصاد
من الفرصة إلى التخمة: هل تواجه السوق خطر الانفجار؟
رغم الفرص الكبيرة التي توفرها هذه العملات، بدأت تظهر تساؤلات عن الحاجة الحقيقية لوجود عشرات أو مئات العملات المستقرة.
يحذر بعض المحللين من خطر "وفرة زائدة"، قد تخلق سوقًا مجزأة، وتُضعف السيولة وتعرقل التوافق بين الشبكات المختلفة.
اللاعبون المهيمنون اليوم، مثل تيثر وسيركل، يمتلكون معًا أكثر من 220 مليار دولار من القيمة السوقية، وهم في موقع جيد لتصفية السوق لصالحهم.
ويرى محلل استثماري من بوسطن أن البقاء سيكون للأقوى: "لن يصمد إلا من يملك قاعدة مستخدمين ضخمة وقدرة حقيقية على بناء منظومة مترابطة".
السباق بين المؤسسات أشبه بحرب منصات، حيث تسعى كل جهة لفرض عملتها كالمعيار المقبول عالميًا، لكن كما في كل الحروب التكنولوجية، من يربح ليس بالضرورة من يملك أفضل تقنية، بل من ينجح في بناء الاستخدام اليومي والفعلي.
👈 اقرأ المزيد: سرقة 14.5 مليار دولار من بيتكوين تكشف عن أكبر اختراق في تاريخ الكريبتو... منذ 2020!
ما هو مستقبل العملات المستقرة في المشهد المالي العالمي؟
يتوقف مستقبل هذه العملات على التوازن بين الابتكار والتنظيم. إذا بالغت الحكومات في فرض القيود، قد تمنح البنوك التقليدية سيطرة مطلقة، مما يُقيد حركة شركات التكنولوجيا المالية ويحد من المنافسة.
لكن التصميم التكنولوجي للعملات المستقرة يسمح بنشوء نماذج هجينة: بعضها مركزي وتديره البنوك، وبعضها لا مركزي بالكامل ويقوده مطورو البلوكشين.
البنوك تميل إلى استراتيجية هادئة تعتمد على دمج العملات المستقرة ضمن البنية التحتية الحالية للتسويات المالية، بينما تراهن شركات مثل سيركل وتيثر على نموذج الشبكات اللامركزية لجذب المستخدمين من جميع أنحاء العالم.
في نهاية المطاف، من المحتمل أن نشهد تعايشًا بين عدد محدود من العملات المستقرة الموثوقة، تعمل بشكل غير مرئي ولكنها تصبح العمود الفقري للدفع الرقمي عالميًا.
👈 اقرأ المزيد: رسوم ترامب الجمركية الجديدة: من المتضرر الأكبر اعتبارًا من 7 أغسطس؟
مثل هذا السيناريو سيُحدث تحولًا في هيكل السلطة المالية، ويعيد توزيع الأدوار بين البنوك والتقنيات المالية واللاعبين الرقميين الكبار.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
