أصبحت شفافية المعلومات شرطاً ضرورياً خاصة بعد الزلازل التي ألمت بقطاع العملات المشفرة. ومن دونها سيصبح القطاع مغلقاً مثل الأنظمة التي جاء لاستبدالها. ثم سيفر المستثمرون والعملاء ويعجز المخططون وصناع القرار عن تحقيق الخطط التنموية المطلوبة.
بدايةً، دعنا نتفق على معنى الشفافية. بحيث نقصد بالمؤسسة الشفافة التي يمكن أن نعرف ما يجري و يدور داخلها، بحيث تكون كل المعلومات و الحقائق معروضة و متاحة للبحث و المساءلة.
أزمة FTX، القطرة التي أفاضت الكأس
بعد انهيار FTX، اعترف سام بنكمان فرايد المستقيل من منصبه كرئيس تنفيذي للمنصة المفلسة، أنه كان يجب عليه وفريقه تحري المصداقية والشفافية منذ عهد. و لم يكن موضوع الشفافية جديدا وقتها. فعديد الشركات قد أعلنت من قبل خطئها في إبقاء الاسرار و التغاضي عن المشاكل الصغيرة. و الآن، أصبح واضحا أن FTX لم تكن صادقة و لا حقيقية. و كل ما كان يقال على مستوى الشركة، كان فقط أقوال مأثورة و حكم مأخوذة من الكتب. فقد سقطت FTX بسبب تراكم الأسرار!
بعد سقوط FTX، اكتشف عملاؤها، مستثمروها، وحتى العاملين في المنصة المعلنة أنهم لم يكونوا على دراية بشيء وأن كل ما يعرفوه هو ما أراد لهم سام بنكمان فرايد أن يعرفوا. وليس الحقيقة.
في الواقع أزمة FTX ما هي الا القطرة التي أفاضت الكأس في عالم العملات الرقمية، فرغم دورة الحياة القصيرة للقطاع الا انه مليء بالقصص التي انكشفت فيه الاسرار فقط عندما حدثت الطامة الكبرى. كثير اتخذوا من المجال الناشئ ملاذا لعمليات الاحتيال.
في مايو الفارط، أحدثت تيرا لونا زلزالا بعد ارتطامها بالقاع و فقدانها ل 99٪ من قيمتها في أيام تعد على أصابع اليد. ووقتها تم طرح نفس السؤال الذي تواجهه اف تي اكس اليوم. ماذا يحدث خلف الستار في شركات العملات الرقمية؟
انعدام الشفافية تتخذ من قمة الهرم معقلا !
عندما نتحدث عن الأسرار في عالم العملات الرقمية المشفرة، لا بد أن نتجه أولا إلى قمة الهرم، بيتكوين BTC. وهناك نجد السر الأكبر، من عم مخترعي البيتكوين؟ كم عددهم؟ أين هم وكيف يديرون عملتهم؟ وكم عدد العملات التي يمتلكونها في محفظتهم؟ ومنه فغياب الشفافية إذا ليست حكرا على العملات الرقمية البديلة فقط بل تصل بجذورها إلى الأصل.
ساتوشي ناكاموتو هو اسم مستعار لشخص (أو مجموعة من الأشخاص) ألف أول ورقة بيضاء للعملات الرقمية المشفرة في عام 2008. ولأنه شبح فإنه لم يكن بالإمكان استجوابه لمعرفة اللغز. كان ساتوشي نشطا في تطوير البيتكوين وسلسلة الكتل حتى اختفى بشكلٍ سريع مُنتَصَف عام 2010 بعدَ أن قام بتسليم جميع مهامه المتعلّقة بتطوير العُملَة وموقع الإنترنت الرئيسي. ثم سلم التحكم في الشفرة الأساسيّة ومفتاح تنبيه الشبكة إلى غافن أندريسن وأوقف مشاركته في المشروع.
فهل يهدد لغز بيتكوين مصداقية العملة وكيف يؤثر ذلك على ثقة العملاء، و سمعة القطاع؟ ولكن، هل معرفة مبتكر بيتكوين ضرورية؟ وهل يحمل أسرارا خطيرة ليتوارى بهذا الشكل؟ كل هذه الأسئلة لا يمكنني الإجابة عنها، فأنا لم يسبق أن صادفت ساتوشي و أنا في طريقي إلى البقالة!
لكن غياب الأسد عن الغابة، جعل الضباع تدعي القوة، فبعيدا عن الفرضيات التي تم تداولها حول من هو ساتوشي، ادعى عدة أشخاص من قبل أنهم ساتوشي ناكاموتو، ولكن لم يستطع زي منهم إثبات الأمر، ولا أعتقد أن أحداً سيتفاجأ إذا قلت أنّ الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب أيضا إدعى أنه مكتشف البيتكوين! فهل تكون هوية المؤسس الأول هي أكبر أسرار البيتكوين؟
عندما غابت الشفافية في كوادريغا، دفع مايكل باترين الثمن
وثائقي كوادريغا، يمكن أيضا تصنيفه ضمن أفلام بوليوود اللا واقعية، من كثرة الغرابة التي تحيط بكل جزء من القصة. فكوادريغا لم تكن شركة شفافة لعملائها و لا للمستثمرين فيها.
في الوقت الذي ظن الجميع أن كوادريغا شركة عملاقة ذات مكاتب فاخرة وتقنيات حديثة وأشخاص ذو خبرة و مكانة. اتضح بعد الوفاة الغريبة للمؤسس المشارك ورئيسها التنفيذي جيرالد كوتن، أنها لم تكن إلا كوتن نفسه وحاسوبه الشخصي. فلا مقر لها و لا موظفين، وطبعا مصيبة العملاء والمستثمرين هي اكتشافهم أنهم فقدوا كل ما استثمروه في كوادريغا التي لا وجود لها بدون كوتن.
مايكل باترين وهو المؤسس المشارك إلى جانب جيرالد كوتن دفع ثمن جرم لم يرتكبه غالبا. ولم تستطع القوات المحققة في كندا اثباته.
أزمة كوادريغا حصلت في ديسمبر 2019. و قبلها بثلاث سنوات كان مايكل قد استقال من منصبه في كوادريغا وغادرها بشكل نهائي، لكن عندما مات كوتن لم يجد العملاء و المستثمرين من يهاجموا إلا مايكل الذي وجد نفسه في قفص الاتهام. و أصبح مايكل مطالبا بتقديم الشفافية للسنوات التي لم تكن له فيها أي علاقة بكوارديغا. ويبدو أن نتائج أسرار كواريغا أتت وخيمة على سمعة باترين الذي كاد يخسر منصبه و اسهمه في ووندرلاند عندما كشف دانيال سيستاجالي أن سيفو Sifu الذي شاركه إنشاء ووندرلاند هو مايكل باترين المتهم بدون دليل في قصة كوادريغا المعقدة التفاصيل. ويبدو أن النتائج جاءت عكسية على دانيال سيستاجالي الذي اضطر إلى الاستقالة.
مايكل باترين اتعظ جيدا من قصته من كوادريغا و أصبح كتابا مفتوحا، ففي اكتوبر الماضي نشرت ووندرلاند التي يدير خزينتها تفاصل تتعلق بالرشاوي في مجتمعي ووندرلاند و ابركادابرا. وذكر البيان أن ووندلاند ستتحرى الشفافية دائما ولن تدخر الأسرار ابدا.
الأسرار الاكثر ظلاما في عالم العملات المشفرة
في القطاع الرقمي اللا مركزي، هناك بعض النقاط التي دائما ما يستخدمها النظام المالي التقليدي لمهاجمة العملات الرقمية المشفرة. طبعا، تهريب و غسيل الأموال، وغياب الرقابة على المجال. وحتى أكبر الشخصيات في قطاع التشفير لا تنكر ذلك، بل تركز عليه لخلق القوانين التي من شأنها إعادة ترتيب الأوراق في السوق و تنظميه.
في الحرب الاوكرانية الروسية، اشترت اوكرانيا السلاح باستخدام عملات بيتكوين BTC وايثريوم ETH وجمعت الهيئات غير الحكومية تبرعات بالاصول الرقمية تجاوزت قيمتها السوقية ال 10 مليون دولار. و تم تداول أخبار أن الحكومة الروسية أيضا تهربت من العقوبات عن طريق العملات الرقمية المشفرة.
ليبيا وسوريا أيضا شهدتا صفقات تبديل السلاح بالعملات الرقمية. بحيث أن استخدمت العملات الرقمية بشكل واسع في عمليات تمويل الارهاب حسب منظمات غير حكومية. لكن طبعا لم استطع أن أجد مستخدما يعترف لي أنه قام بشراء سلاحه باستخدام رصيده من العملات المشفرة لاضرب به المثل في هذا المقال!
أزمات، فضائح، اختلاسات،احتيالات، أعمال مشبوهة و غيرها من الأمور. التي عرفها قطاع التشفير والتي جعلته يعرف فترات تراجع وأزمات ثقة مع العملاء. ولنكن واضحين أن هذه الأخلاقيات موجودة في كل القطاعات أيضا. فقط عادة ما يكون القطاع الجديد تحت المجهر. و يتم تكبير كل المآسي فيه لصنع العوائق و خلق الحواجز التي تكبح تقدم السوق الرقمي و هيمنته على حساب المعاملات المالية التقليدية.
ما يحدث لن يؤثر على القيمة المضافة للعملات المشفرة. وخاصة أنّ قادة السوق الرقمي و على رأسهم، سي زي، برايان ارمسترونج و فيتاليك يعملون مع الهيئات النظامية في بلدان عدة. من أجل خلق و إصدار القوانين التي ستسمح بكشف المعاملات المشبوهة. من غسيل الأموال و تمويل الإرهاب و السرقة الالكترونية.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.