على ما يبدو، فإن السرعة التي هز بها تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني الجديد "DeepSeek" قطاع التكنولوجيا والأسواق، حطمت الشعور الأمريكي بالتفوق في مجال الذكاء الاصطناعي وقلبت موازين السوق، فانهارت أسهم كبرى شركات الذكاء الاصطناعي. إليك ما ينبغي أن تعرفه عن ديبسيك (DeepSeek).
ظهور DeepSeek يحطّم الأسواق فوق رؤوس العمالقة!
في نهاية الأسبوع الماضي، تصدر تطبيق "DeepSeek" قائمة التطبيقات المجانية الأكثر تحميلًا على متجر أبل في الولايات المتحدة. وبحلول يوم الأمس، تسبب التطبيق في موجة بيع كبيرة لأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى. مما أثار المخاوف حول قيادة الولايات المتحدة لهذا القطاع.
على سبيل المثال، تراجعت أسهم شركة Nvidia، رائدة تصميم رقائق الذكاء الاصطناعي، بحدة. مما أدى إلى خسارة تقارب 600 مليار دولار من قيمتها السوقية، وهي أكبر خسارة في تاريخ سوق الأسهم الأمريكية، بحسب بلومبرج.
هذه الأزمة التاريخية تعود بشكل كبير إلى عنصر بسيط: التكلفة. حيث ادعى مطورو "DeepSeek" أنهم طوروا نموذجهم بأقل من 5.6 مليون دولار فقط، مقارنة بالمليارات التي تنفقها شركات مثل OpenAI وجوجل.
رغم الإشادة بقدرات "DeepSeek"، فإن البعض يطرح تساؤلات حول الأرقام التي يقدمها. إذ يشكك المحللون في مدى دقة هذه الأرقام أو ما إذا كانت الشركة تحصل على دعم غير معلن.
ظهور "DeepSeek" المفاجئ يمثل استعراض قوة للصين وضربة قوية لقطاع التكنولوجيا الأمريكي. هذا الحدث يأتي بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروع "Stargate"، وهو استثمار ضخم بقيمة تصل إلى 500 مليار دولار لتعزيز البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
ما هي أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة؟ وماذا تقدم؟
تطبيق DeepSeek هو روبوت محادثة يعمل بالذكاء الاصطناعي، يشبه ChatGPT، تم إصداره في 20 يناير الماضي. كما ويهدف إلى توفير إجابات تساعد المستخدمين وتحسن حياتهم بكفاءة. أيضا، التطبيق، الذي أصبح متاحًا مجانًا على متجر أبل، يعتمد على نموذج ذكاء اصطناعي يسمى "R1" يحتوي على حوالي 670 مليار متغير. مما يجعله أكبر نموذج لغوي مفتوح المصدر.
يقال إن هذا النموذج يتمتع بقدرات توازي نموذج O1 من OpenAI، الذي يشغل ChatGPT، خصوصًا في مجالات الرياضيات والبرمجة والمنطق.
مثله مثل العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى، بما فيها تشات جي بي تي، تم تدريب الروبوت على التهرب من الأسئلة الحساسة سياسياً. لكن يبدو أن DeepSeek قد تم تدريبه على نموذج مفتوح المصدر. مما يمكّنه من أداء مهام معقدة.
على الرغم من الانتقادات التي قد توجه إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية بشأن الرقابة، إلا أن معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي العالمية تتجنب أيضا القضايا الحساسة بطرق مشابهة. على سبيل المثال، لا تقدم تشات جي بي تي إجابات واضحة حول مثل ما يحدث في غزة. مما يعكس وجود سياسات تقييدية تتعلق بالمحتوى حتى في الدول التي تتغنى بحرية التعبير.
ما يميز DeepSeek ليس فقط قدراته، بل التكلفة المنخفضة لتطويره. يدعي الباحثون وراء المشروع أن تطوير النموذج كلف ما يقارب 6 ملايين دولار فقط، مقارنة بالمليارات التي تنفقها شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى في الولايات المتحدة.
بينما لا نعرف التفاصيل الكاملة لكيفية تطوير هذا النموذج بتكلفة منخفضة. لكن يُقال إن مؤسس DeepSeek جمع 50 ألف شريحة من شرائح Nvidia A100، المحظورة في الصين منذ سبتمبر 2022. وهو ما مكن الفريق من بناء نموذج قوي باستخدام هذه الشرائح بالتكامل مع مكونات أقل تكلفة وتطور.
من هو مؤسس روبوت الذكاء الاصطناعي الخارق؟
تأسست DeepSeek في ديسمبر 2023 على يد ليانغ وينفانغ، وأطلقت أول نموذج لغوي كبير للذكاء الاصطناعي في العام التالي. ليانغ، الذي يحمل شهادات في الهندسة الإلكترونية وعلوم الحاسوب من جامعة تشجيانغ، أصبح الآن محط اهتمام عالمي، خاصة بعد ظهوره في اجتماع استضافه رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، مما يعكس المكانة المتنامية للنموذج في صناعة الذكاء الاصطناعي.
على عكس معظم رواد الذكاء الاصطناعي الأمريكيين الذين ينتمون إلى وادي السيليكون، يتميز ليانغ بخلفيته في مجال التمويل. فهو الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط High-Flyer، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المالية واتخاذ قرارات استثمارية، والمعروف بالتداول الكمي. في عام 2019، أصبح High-Flyer أول صندوق تحوط كمي في الصين يجمع أكثر من 13 مليار دولار.
في خطاب ألقاه عام 2019، صرح ليانغ: "إذا استطاعت الولايات المتحدة تطوير قطاع التداول الكمي، فلماذا لا تستطيع الصين؟"
وفي مقابلة نادرة العام الماضي، أعرب ليانغ عن طموحه لتغيير موقع الصين في مشهد الذكاء الاصطناعي، قائلاً: "لا يمكن للصين أن تبقى مجرد تابع إلى الأبد. الفجوة الحقيقية ليست في الزمن بين الابتكار الأمريكي والصيني، بل في الانتقال من التقليد إلى الأصالة. إذا لم يتغير ذلك، فستظل الصين في موقع التبعية."
عند سؤاله عن سبب دهشة وادي السيليكون من نموذج DeepSeek، أجاب: "الدهشة نابعة من رؤية شركة صينية تدخل المنافسة كمبتكر. وليس مجرد تابع، كما اعتاد معظم الشركات الصينية أن تكون."
👈 اقرأ المزيد: كل الأساسيات الواجب معرفتها حول الذكاء الاصطناعي واستثماراته
كيف انقلبت الأسواق: الصين تتقدم وأمريكا تخسر أحادية القطب!
حققت DeepSeek إنجازات تقوّض الاعتقاد السائد بأن الميزانيات الضخمة والاعتماد على الرقائق فائقة الأداء هما السبيل الوحيد لتطوير الذكاء الاصطناعي. وقد سبّب هذا تحديات جديدة حول مستقبل الرقائق عالية الأداء.
هذا التحوّل أثّر بشكل كبير على الأسواق المالية في 27 يناير، حيث شهد مؤشر ناسداك الثقيل بالتكنولوجيا انخفاضًا بأكثر من 3%، مما أدى إلى موجة بيع واسعة شملت صانعي الرقائق ومراكز البيانات حول العالم. بينما كانت Nvidia الأكثر تضررًا، حيث انخفضت أسهمها بنسبة 17% خلال 24 ساعة.
في المقابل، تواجه OpenAI، التي تقف خلف تشات جي بي تي، والتي تقدّر قيمتها بـ157 مليار دولار، تساؤلات حول قدرتها على الحفاظ على تفوقها الابتكاري أو تبرير نفقاتها الضخمة دون تقديم عوائد ملموسة.
وعلى الرغم من عدم تعليق الحكومة الصينية رسميًا على هذه الإنجازات، سارعت وسائل الإعلام الحكومية إلى الإشارة إلى أن عمالقة وادي السيليكون و"وول ستريت" باتوا "يخسرون النوم" بسبب DeepSeek، التي "أحدثت اضطرابًا" في السوق الأمريكية.
رغم الإنجازات المبهرة التي حققتها DeepSeek، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن التحديات لا تزال قائمة على الجانبين. في الوقت الذي تحتاج فيه الصين إلى مواصلة الابتكار والاستفادة من نجاحاتها لتعزيز التعاون الدولي، يجب على الولايات المتحدة أن تتكيف مع التحولات العالمية من خلال تعزيز الابتكار والكفاءة، بدلًا من الاعتماد فقط على الحجم والموارد.
👈 اقرأ المزيد: HAQQ وإسلاميك كوين: رواد استخدام الذكاء الاصطناعي في التمويل الإسلامي
الانتقادات الموجهة لديبسيك ... مجرد عنصرية!
بينما استطاع نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني "ديبسيك" أن يتصدر قائمة التنزيلات على متجر آبل، مما أصاب المستثمرين بالدهشة وأدى إلى انخفاض حاد في أسهم بعض شركات التكنولوجيا.
ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الإنجاز بأنه "جرس إنذار" للشركات الأمريكية التي دعاها إلى التركيز على "التنافس للفوز". كما يثير نجاح "ديبسيك" تساؤلات حول جهود واشنطن في احتواء طموحات بكين نحو التفوق التكنولوجي، لا سيما من خلال حظر تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين.
إن صعود "ديبسيك" ليس مجرد إنجاز تقني؛ بل هو مؤشر على تحول كبير في مشهد الابتكار العالمي، مما يبرز أهمية التنافس المتوازن بين القوى الكبرى في مجال التكنولوجيا، مع تعزيز التعاون لتحقيق تقدم يخدم البشرية ككل.
أيضا، تظهر تجربة DeepSeek أن الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لا يعتمد فقط على الموارد المالية الضخمة، بل يمكن تحقيق تقدم كبير من خلال الاستفادة الذكية من الموارد المتاحة. بينما التحديات المتعلقة بالحساسيات السياسية ليست محصورة بنماذج الذكاء الاصطناعي الصينية، بل هي ظاهرة عالمية تعكس الأولويات السياسية والثقافية للدول.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.