افتُتح الأسبوع على وقع اضطرابات متسارعة في الأسواق العالمية، تراجَع فيها مؤشر الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات، متأثرًا بتصريحات نارية للرئيس السابق دونالد ترامب ضد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، والتي هزّت ثقة المستثمرين في استقرار السياسة النقدية الأمريكية. ورغم ذلك، أظهرت عملة بيتكوين صمودًا لافتًا، مرتفعة إلى ما يقارب 87,000 دولار.
هذا التماسك المثير للاهتمام يُعزّز من موقع بيتكوين كأصل بديل يُحتمل أن يتحوّل تدريجيًا إلى "ملاذ آمن" في وجه الأزمات النقدية والتقلبات السياسية، على غرار الذهب.
ترامب وباول: صراع يهدّد ركائز الاقتصاد الأمريكي
منذ توليه الرئاسة، لم يُخفِ ترامب امتعاضه من أداء رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، متّهمًا إياه بالتباطؤ في خفض أسعار الفائدة. وتفاقمت الأزمة مؤخرًا مع تلميحات ترامب إلى نيّته عزل باول. ما اعتُبر تهديدًا مباشرًا لاستقلالية البنك المركزي الأمريكي، إحدى ركائز الثقة في الدولار والأسواق العالمية.
ورغم تحذيرات باول المتكرّرة من مخاطر الركود التضخمي، فإن ترامب يواصل دعوته إلى خفض فوري للفائدة. زاعمًا أن لا أثر حقيقي للتضخّم الحالي، وأن أسعار الفائدة المرتفعة تُقوّض النمو الاقتصادي.
وفي أحدث هجوم له، وصف ترامب باول بـ"الخاسر الكبير"، محذرًا من تباطؤ اقتصادي محتمل إن لم تُخفَّض الفائدة فورًا. هذه التصريحات أثارت قلق الأسواق، وأضعفت الدولار، في حين وجدت الأصول الرقمية، وعلى رأسها بيتكوين، فرصة لتعزيز مكانتها.
التجربة التركية: حين يتغوّل الرئيس على البنك المركزي
ليست هذه أول مرة يتقاطع فيها الطموح السياسي مع مسار السياسة النقدية، فتركيا شهدت تجربة مشابهة منذ عام 2019.
عندما بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان التدخّل في قرارات البنك المركزي عقب إقالته محافظ البنك، بدأت الليرة التركية رحلة انهيار طويلة، انخفضت خلالها من 5.3 ليرة مقابل الدولار إلى أكثر من 38 ليرة، أي سبعة أضعاف خلال أقل من ست سنوات.
ورغم محاولات متكررة لاحتواء التضخم عبر تغيير القيادات النقدية، بقيت معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة، وتراجعت الثقة في الليرة. ما دفع الأتراك إلى اللجوء إلى بيتكوين والعملات المستقرة منذ العام 2020 كوسيلة للتحوّط.
وقد قال أردوغان في تصريح شهير سنة 2021: "لا نؤمن بأسعار الفائدة المرتفعة. سنُخفض التضخم وسعر الصرف بالفائدة المنخفضة، لأن الفائدة المرتفعة تُغني الأغنياء وتُفقر الفقراء." ورغم الشعارات، لم تنجُ الليرة من الانهيار، ولا التضخم من التصاعد.
الدولار ليس الليرة... ولكن الخطر قائم
بطبيعة الحال، الدولار ليس كأي عملة محلية. فهو عملة الاحتياط الأولى في العالم، ويُشكّل العمود الفقري للنظام المالي العالمي. غير أن هذا لا يعني أنه في مأمن من التدهور. فمجرد اهتزاز الثقة باستقلالية البنك المركزي الأمريكي. كفيل بإضعاف الدولار أمام سلة من العملات الأخرى، فضلًا عن دفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أكثر أمانًا.
تشير بيانات منصة TradingView إلى أن مؤشر الدولار الأمريكي فقد أكثر من 10% من قيمته خلال ثلاثة أشهر فقط، وهو تراجع مقلق في ظل استقرار العوامل الاقتصادية الكبرى.

التأثير العالمي لزعزعة استقلالية الفيدرالي
الاقتصاد الأمريكي يعتمد على تدفّقات رؤوس الأموال الأجنبية، لا سيما من دول الفائض التجاري مثل اليابان، الصين، وألمانيا. حيث تستثمر هذه الدول فوائضها في أدوات الدين الأمريكية، على رأسها سندات الخزانة.
أي تهديد لاستقلالية الاحتياطي الفيدرالي سيجعل هذه الدول تعيد تقييم مخاطرها الاستثمارية، وقد يدفعها إلى تقليص انكشافها على الأصول المقوّمة بالدولار. ما يزيد من تقلبات السوق ويفاقم التدهور في قيمة العملة.
هل بيتكوين هي الرابح الأكبر؟
في هذا المشهد المضطرب، يظهر بيتكوين كأكثر المستفيدين. فهو أصل رقمي غير مركزي، لا يخضع لقرارات البنوك المركزية، ولا يمكن مصادرته بسهولة أو التحكم فيه من قِبَل الحكومات.
تمامًا كما لجأ الأتراك إليه في مواجهة تدهور الليرة، قد يجد الأمريكيون والمستثمرون العالميون فيه ملاذًا آمنًا إذا استمر الاضطراب السياسي والنقدي.
إذا قرّر ترامب المضي قدمًا في مساعيه لعزل باول، فقد يُطلق شرارة أزمة ثقة في السياسة النقدية الأمريكية. تؤثر في الأسواق العالمية أكثر من أي وقت مضى.
حينها، لن يكون السؤال عن تأثير القرار على الدولار فقط، بل عن مدى قدرة الأصول الرقمية، وفي مقدّمتها بيتكوين، على ملء الفراغ.
وقد يكون من المفارقة أن يتحوّل البيتكوين – الذي وُلد كاحتجاج على النظام المالي التقليدي – إلى الخيار الأكثر أمانًا حين يبدأ هذا النظام بالتآكل من الداخل.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
