في عالمٍ لا يرحم التردد، حيث تتغير معايير النجاح بين ليلة وضحاها، تبرز أحيانًا اعترافات نادرة تحمل في طياتها دروسًا أثمن من الأرباح. هذا ما فعله باري سيلبرت، أحد رواد الاستثمار في العملات الرقمية، حين خرج عن صمته ليعترف بندم لم يكن يتوقعه أحد. رجل اشتهر برؤيته المستقبلية وجرأته في اقتحام المجهول، يعود اليوم ليقول بكل وضوح: "كان عليّ فقط أن أتمسّك ببيتكوين."
فهل تكون البساطة هي الاستراتيجية الأكثر عبقرية؟ وهل تكفي القناعة بأصل واحد لمواجهة تعقيدات سوق مترنح؟ في هذا المقال، نغوص معًا في قصة ندم لا يشبه سواه، لنفهم كيف يمكن لقرار استثماري واحد أن يغيّر مسار حياة.
البداية: من مستثمر شغوف إلى مستاء من قراراته
في وقت كانت فيه كلمة "بيتكوين" لا تزال غريبة على معظم الآذان، كان باري سيلبرت أحد القلائل الذين التقطوا الإشارة مبكرًا. ففي عام 2011، ومع تداول العملة بسعر لم يتجاوز 8 دولارات، دخل سيلبرت السوق بثقة، واشترى كمية لا بأس بها من العملة. لكن شغفه لم يتوقف عند مجرد الشراء؛ بل قرر أن ينقل حماسه إلى عالم الاستثمار، مستخدمًا جزءًا من رصيده في بيتكوين لتمويل شركات ناشئة في مجال العملات الرقمية.
وكانت أبرز هذه الاستثمارات شركته "Digital Currency Group" التي ساهمت في تمويل أسماء لامعة مثل "كوينبيس"، أحد أشهر منصات التداول حاليًا. إلا أن المفاجأة لم تأتِ من المكاسب التي جنتها هذه الشركات، بل من التصريح الأخير لسيلبرت نفسه، الذي قال بصوت مليء بالندم: "لو أنني فقط احتفظت ببيتكوين، لكنت اليوم في وضع أفضل بكثير."
👈 اقرأ المزيد: وحده "DYOR" يمكن أن يكون مساعدك المالي في عالم العملات المشفرة..كيف؟
الأرقام لا ترحم: المقارنة الصادمة بين الاحتفاظ والاستثمار
عندما نقارن ما فعله سيلبرت باستراتيجية "الاحتفاظ فقط"، تبدو الحقيقة صادمة بعض الشيء. فلو احتفظ بعملاته التي اشتراها عند 8 دولارات، لكان اليوم يجني أرباحًا تتجاوز 1,050,000% مع وصول السعر إلى حدود 84 ألف دولار. لا شركة ناشئة، ولا حتى أسهم شركات مثل "فيسبوك" أو "أمازون"، اقتربت من هذا النوع من الأرباح خلال فترة زمنية مماثلة.
حتى الذهب، وهو أحد الأصول التي يُضرب بها المثل في الأمان والثبات، لم يسجل سوى أقل من 4000% على مدار خمسين عامًا. لذا، لا غرابة أن يندم سيلبرت على استبدال بيتكوين بملكية جزئية في شركات، مهما بلغت وعودها المستقبلية.
👈 اقرأ المزيد: الإعلانات الترويجية للعملات الرقمية في الوطن العربي.. احذر الاحتيال
عودة بيتكوين إلى الواجهة... ولكن من أبواب الحكومات
جاء هذا الاعتراف في توقيت بالغ الحساسية، إذ يشهد العالم اليوم تحولات عميقة في النظرة إلى بيتكوين. لم يعد الأمر مجرد أداة للمضاربة، بل بات يُطرح كأصل استراتيجي، حتى على مستوى الدول. ففي الولايات المتحدة، أفادت تقارير بأن الرئيس السابق دونالد ترامب يبحث إمكانية إنشاء احتياطي وطني من بيتكوين، مستفيدًا من حوالي 200 ألف عملة تمت مصادرتها سابقًا في عمليات قانونية.
وعلى الرغم من أن هذه الفكرة لا تزال في طور التقييم، فإن مجرد تداولها على مستوى الرئاسة يعكس حجم التحول في العقلية السياسية تجاه العملات الرقمية. وفي هذا السياق، صرّح زاك شابيرو، مدير معهد سياسة بيتكوين، قائلاً إن شراء مليون بيتكوين من قبل الحكومة الأمريكية سيُحدث زلزالًا اقتصاديًا على المستوى العالمي.
👈 اقرأ المزيد: إذا حضرت قابلية التوسع غاب الأمان .. تحديات البلوكتشين!
بين الحذر والطموح: ماذا نتعلم من هذه القصة؟
ربما لن يجد الجميع الفرصة ليكونوا من أوائل مالكي بيتكوين، كما فعل سيلبرت، لكن قصته تضيء جانبًا مهمًا في عالم الاستثمار الرقمي. ففي أوقات التقلبات، قد يكون "الصبر" هو المفتاح الحقيقي للثروة. وبينما يسعى بعض المستثمرين إلى تنويع محفظتهم الرقمية، يظل من اللافت أن أولئك الذين تمسكوا بخيار واحد — "الاحتفاظ ببيتكوين" — قد خرجوا بنتائج مبهرة.
الدرس الأهم هنا ليس في التوقيت أو الكمية، بل في الاستراتيجية: هل تختار أن تكون صاحب قرار طويل الأمد، أم تلاحق الفرص قصيرة المدى؟
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
