لا تخلو كل عملية فشل وانهيار من تحقيقات يتحول فيها كل شخص إلى شارلوك هولمز! يبحث الجميع عن الجاني بعد انهيار البنوك الأمريكية التي خلفت خسائر بمليارات الدولارات وقد تسبب ركودًا في البلاد.
أدى انهيار بنك سيليكون فالي في 10 مارس وبنك Signature في نيويورك بعد ذلك بيومين إلى إحداث موجات من الصدمة عبر الصناعة المصرفية العالمية وأعاد إحياء الذكريات المريرة للأزمة المالية التي أغرقت الولايات المتحدة في الركود منذ حوالي 15 عامًا.
أدت الأزمة المالية لعام 2008، الناجمة عن الإقراض المتهور في سوق الإسكان، إلى لوائح مصرفية صارمة خلال رئاسة باراك أوباما. يهدف قانون دود-فرانك Dodd-Frank لعام 2010 إلى ضمان أمان أموال الأمريكيين، وذلك جزئيًا من خلال إنشاء "اختبارات ضغط" سنوية تبحث في كيفية أداء البنوك في ظل فترات الانكماش الاقتصادي المستقبلية.
لن يقتصر البحث عن الجاني في سقوط SVB و Signature و Silvergate عن قائمة المديرين والمتحكمين في هذه البنوك بل سيمتد التحقيق ليشمل رأس الهرم في البلاد. حيث يوجه أولئك الذين يتشبثون بالسلطة أصابع الاتهام لبعضهم البعض.
من هو الرئيس الأمريكي التي تسببت سياساته في انهيار أكبر البنوك في البلاد؟ عند هذا السؤال يختلف الجمهور. فأزمة البنوك لم تحدث في آخر شهر فقط بل كانت نتاج سنوات من الأخطاء والسياسات الفاشلة.
بايدن يتهم تراجع ترامب عن قانون دود فرانك الخاص بالبنوك
بدأ البحث عن الجاني بعد سقوط SVB و Signature و Silvergate من قبل أفراد حكوميين رفيعي المستوى. والبداية كانت بتحليلات الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب الذين اتهما بعضهما البعض علنًا بإصدار سياسات أفشلت النظام المصرفي لأقوى دولة في العالم.
حفزت الأزمة المصرفية الأخيرة نقاشًا سياسيًا محتدمًا بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب. حيث يلوم كل منهما سياسات الآخر على إخفاقات البنوك الثلاثة المنهارة. وبحث كل منهما في الأسباب التي تجعل الآخر متهمًا في أكبر إخفاقات البنوك منذ أزمة الرهن العقاري لعام 2008.
في 13 مارس، بعد سقوط بنك سيليكون فالي SVB، طمأن الرئيس جو بايدن الجمهور بشأن الطابع المعزول للحادث، داعيًا الأمريكيين إلى الثقة في النظام المصرفي، مدعيًا أن النظام المصرفي الأمريكي آمن للغاية. لكن بعد تلك التغريدة سقط Silvergate ثم Signature!
"بسبب الإجراءات التي اتخذها المنظمون لدينا بالفعل، يجب أن يشعر كل أمريكي بالثقة في أن ودائعهم ستكون موجودة إذا احتاجوا إليها. سيتم فصل إدارة هذه البنوك ولن يتم حماية المستثمرين في البنوك."
تغريدة الرئيس جو بايدن في 15 مارس
المثير في تغريدات جو بايدن لم يكن إدعاء أمن وسلامة بقية النظام من تداعيات سقوط SVB فقط. بل أيضًا، لوم الرئيس جو بايدن لسلفه دونالد ترامب على إخفاقات البنوك بسبب إلغائه اللوائح المصرفية الأكثر صرامة التي تم وضعها الرئيس السابق أوباما من خلال قانون دود فرانك Dodd-Frank Act.
"يمكن للأمريكيين أن يطمئنوا إلى أن نظامنا المصرفي آمن. ودائعك آمنة. يجب أن نحصل على المحاسبة الكاملة لما حدث ولماذا يمكن محاسبة المسؤولين. لا احد فوق القانون."
"الرئيس باراك أوباما وأنا وضعنا شروطاً قاسية على البنوك مثل SVB و Signature، بما في ذلك قانون Dodd-Frank للتأكد من أن الأزمة التي شهدناها في عام 2008 لن تحدث مرة أخرى. لقد تراجعت الإدارة الأخيرة عن بعض تلك المتطلبات.
تغريدة بايدن في 14 مارس
إذًا، جميع أموال المودعين في بنك «سيليكون فالي» المنهار ستُردُّ، حيث أكد بايدن أن عملاء البنك سيتمكّنون من الوصول إلى حساباتهم بشكل كامل، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على الاقتصاد الأميركي من تبعات انهيار البنك.
حسب دونالد ترامب| من المتسبب في الكارثة ؟
عندما أصبح بنك سيليكون فالي ثاني أكبر بنك يفشل في تاريخ الولايات المتحدة، لم يضيع ترامب مرة أخرى أي وقت في صنع رأس مال سياسي. وتوقع أن يسقط بايدن بسبب هذا. كما توقع انهيارًا اقتصاديًا أسوأ من الكساد الكبير.
حيث سارع ترامب إلى رفض مزاعم بايدن، موضحًا أنه يعتبر الإدارة الحالية مسؤولة عن الوضع الحالي المهتز للنظام المصرفي. كجزء من خطاب ألقاه في 28 مارس، قال ترامب:
"نحن نرى إخفاقات البنوك من اليسار واليمين. بايدن ومساعدوه والكونغرس مسؤولون بشكل مباشر عن خلق هذه الكارثة الاقتصادية. ومع وجود جو بايدن على عجلة القيادة، سيزداد الأمر سوءًا. هذا ما يحدث في كل قطاع تقريبًا."
ومع ذلك، فقد كان ترامب نفسه، كرئيس للولايات المتحدة، هو الذي ألغى اللوائح التي تهدف إلى جعل البنوك أكثر أمانًا. قال منتقدون إن هجماته على إدارة بايدن أظهرت معايير ترامب المزدوجة.
يعتبر الرئيس المنتهية ولايته ترامب أن اللوم كله على التضخم الذي يحركه بايدن، بينما ينكر مع الأقلية من الديمقراطيين الذين أيدوا قانون 2018 (القانون الذي خفف به الشروط على البنوك) إمكانية ربط سياسة ترامب السابقة بشكل مباشر بإخفاقات البنوك الشهر الماضي.
لكن ربط السيناتور بيرني ساندرز Bernie Sanders، عضو مجلس الشيوخ المستقل عن ولاية فيرمونت، الأزمة بالتغييرات التي تم إجراؤها على لوائح البنوك في عام 2018. حين، صوت بعض الديمقراطيين لصالح تعديلات ترامب، وتم دعمه بأغلبية ساحقة من قبل الجمهوريين.
"لنكن واضحين. إن فشل بنك سيليكون فالي هو نتيجة مباشرة لمشروع قانون عبثي لإلغاء الضوابط المصرفية لعام 2018 وقعه دونالد ترامب والذي عارضته بشدة ".
بيرني ساندرز
ربما سبب سقوط البنوك الأمريكية شيئ آخر!
لكن في عام 2018، مع خفض ترامب والكونجرس بعض تدابير الحماية للبنوك الخاضعة لاختبارات الضغط. أصبحت بعض البنوك التي تقل أصولها عن 250 مليار دولار غير مطالبة ببعض من تلك التدابير. تم تحرير العديد من المقرضين الكبار، بما في ذلك بنك سيليكون فالي، من أشد رقابة تنظيمية.
بعد سقوط بنك سيليكون فالي، وخوفًا من العدوى في القطاع المصرفي، تحركت الحكومة لحماية جميع ودائع البنوك، حتى تلك التي تجاوزت حد المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع البالغ 250 ألف دولار لكل حساب فردي. لقد بلغت التكلفة مئات المليارات من الدولارات.
دعا بايدن الكونجرس إلى السماح للمنظمين بفرض عقوبات أكثر صرامة على مديري البنوك الفاشلة. بينما قدم الديمقراطيين تشريعات لإلغاء قانون 2018 واستعادة لوائح دود-فرانك. ومن المرجح أن تواجه معارضة شديدة من مجلس النواب.
لكن وفقًا لبعض المحللين، قد لن تكون المشكلة في سياسات ترامب وبايدن. بل تكمن في الجهل الذي تغلغل في النظام المصرفي. حيث يساهم التدخل الحكومي، في تحفيز البنوك على مواصلة السلوك المحفوف بالمخاطر. مهما فعلوا هم يدركون أن الحكومة ستنقذهم في نهاية المطاف.
إذًا، فإن اللوم يكمن في المشاكل التي كان من الممكن معالجتها بسهولة من خلال تقييم مخاطر. على سبيل المثال، كان الافتقار إلى خبرة مشغلي البنوك الناتج عن سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة هو الذي تسبب في كارثة بنك Silicon Valley. كما أن الجيل الحالي من المشغلين (حسب أحد المحللين) يعرف فقط سياسات التضخم من الناحية النظرية، ولا يعرف كيفية التعامل معها عمليًا.
وقال بايدن في تصريحات مقتضبة من البيت الأبيض أن النظام المصرفي الأمريكي آمن. مشددًا على أن دافعي الضرائب لن يتحملوا الفاتورة. كما وعد بإزالة قادة البنوك الأمريكية التي استولت عليها مؤسسة التأمين الفيدرالية.
لكن عزيزي القارئ، صدق أولا تصدق طرف من إثنين سيدفع فاتورة الانهيار: دافعو الضرائب أو عملاء البنوك المنهارة!
وأنت من تراه مسؤول عن دراما انهيار البنوك الأمريكية! شاركنا رأيك على قناتنا الناطقة باللغة العربية على تيلغرام
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.