في تطور دراماتيكي شهدته الأسواق المالية مع بداية الأسبوع، سجّلت العملات الرقمية وعلى رأسها بيتكوين (BTC) انخفاضات حادة متأثرة بتجدد المخاوف من تصعيد الحرب التجارية العالمية. بالتزامن مع تراجع العقود الآجلة للأسهم الأميركية وعودة الحديث عن التضخم والركود المحتمل.
يأتي ذلك في أعقاب فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية شاملة، ما أعاد إلى الأذهان أجواء "الاثنين الأسود" التي ضربت الأسواق في ثمانينيات القرن الماضي.
تراجعت عملة بيتكوين (BTC) بأكثر من 9.8% لتسجل 75,126 دولار، وهو أدنى مستوى لها في ثلاثة أسابيع. وسجلت إيثريوم (ETH) انخفاضًا حادًا بنسبة 19.63% إلى 1,448 دولار، في حين انخفضت ريبل (XRP) بنسبة 20.32% إلى 1.683 دولار.
أما سولانا (SOL) فقد تراجعت بنسبة 18.28% إلى 97.6 دولار، وكاردانو (ADA) انخفضت بنسبة 18.35% إلى 0.523 دولار، فيما سجّلت بينانس (BNB) تراجعًا بنسبة 10.3% إلى 531.5 دولار.
في هذا السياق، انخفضت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية بصورة حادة: مؤشر S&P 500 تراجع بنسبة 4.3%، ومؤشر داو جونز بنسبة 4%. في حين فقد مؤشر ناسداك 100 نحو 4.6%، مما ينبئ بأسبوع حافل بالتقلبات في وول ستريت.

تعريفات جمركية واسعة النطاق وتأثير مباشر على السوق
الهبوط المفاجئ جاء بعد دخول تعريفات جمركية أميركية جديدة حيّز التنفيذ يوم السبت. تضمنت رسوماً بنسبة 10% على معظم السلع المستوردة، وفرض تعريفات أكثر قسوة على بعض الدول. الصين تواجه رسوماً بنسبة 34%، بينما فرضت رسوم بنسبة 20% على واردات الاتحاد الأوروبي. في خطوة عكست نهج الإدارة الأميركية في فرض رسوم "عكسية" تعكس ما تعتبره حواجز تجارية أمام صادراتها.
وتزامنت هذه الإجراءات مع فتح تداولات عقود CME الآجلة، وهو ما دفع العديد من البنوك في وول ستريت لاستدعاء المتداولين باكرًا خشية حصول تحركات عنيفة. بحسب تصريحات بيتر تشونغ Peter Chung، رئيس الأبحاث في شركة Presto للتداول الخوارزمي.
التقلبات مرشّحة للاستمرار... نذر أزمة اقتصادية أم فرص انتعاش مرتقبة؟
على الرغم من التراجعات الحادة التي شهدتها الأسواق مؤخرًا، يرى بعض المحللين أن هناك سيناريوهات قد تعيد شيئًا من الثقة. لا سيما إذا خفّف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وتيرة تطبيق التعريفات الجمركية. أو في حال صدرت عن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) تصريحات تميل نحو التيسير النقدي. هذه العوامل، بحسب الخبير "تشونغ"، قد تُحدث انعطافة مفاجئة في اتجاهات التداول.
من جانبه، اعتبر "براتيك كالا" من شركة Apollo Crypto أن هذه المرحلة قد تُسجَّل في التاريخ، مؤكدًا أن ترامب يطبّق ما يُعرف بـ"فن التفاوض". والذي يقوم على خلق الحاجة لدى الطرف الآخر وحماية المصالح الجوهرية، بما يمهّد الطريق أمام مفاوضات مستقبلية محتملة.
وفي ظل هذه التقلبات، عاد مصطلح "الاثنين الأسود" ليتصدّر النقاشات على منصة تويتر، في إشارة إلى انهيار الأسواق عام 1987. وقد حذّر الملياردير "بيل آكمان" من خطر دخول الولايات المتحدة في "شتاء اقتصادي نووي ذاتي الصنع". داعيًا إلى تهدئة الخطاب السياسي تفاديًا لشلل الأسواق وفقدان البلاد لمكانتها الاقتصادية العالمية.
العملات الرقمية في دائرة الخطر
أما في قطاع العملات الرقمية، فقد أشار "نيك فورستر"، مؤسس منصة Derive اللامركزية لتداول الخيارات. إلى أن تقلبات عملة إيثريوم ETH وصلت إلى مستويات متدنية تاريخيًا. إذ بلغ تقلب العقود الأسبوعية 59%، بينما استقر تقلب العقود الشهرية عند 45%، وهي نسب قد تُنذر بانفجار سعري مفاجئ في أي لحظة.
وفي السياق ذاته، يرى خبير الأسواق في مؤسسة Galaxy Digital أن المرحلة الحالية تمثّل تحولًا ملحوظًا في سلوك المتداولين، من المضاربة النشطة إلى التحوّط العنيف. في ظل غياب مؤشرات واضحة من الاحتياطي الفيدرالي بشأن توجهاته القادمة. وأكد أن "الأسواق اليوم تفتقر إلى البوصلة، وكل ما نشهده هو ردود فعل غريزية على الأخبار، بدلًا من استراتيجيات مدروسة".
وفي المقابل، لم يستبعد محللون آخرون أكثر تفاؤلًا حدوث انتعاش مفاجئ، خاصة في حال ظهرت إشارات سياسية جادة لاحتواء التصعيد التجاري. معتبرين أن المستويات الحالية قد تشكّل نقاط ارتداد جذابة للمتداولين على المدى القصير.
يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن على أعتاب تحول حقيقي في السياسات الاقتصادية. أم أن الأزمة المالية تواصل التصاعد نحو المزيد من التعقيد؟ وحدها الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.
إخلاء مسؤولية
جميع المعلومات المنشورة على موقعنا الإلكتروني تم عرضها على أساس حسن النية ولأغراض المعلومات العامة فقط. لذا، فأي إجراء أو تصرف أو قرار يقوم به القارئ وفقاً لهذه المعلومات يتحمل مسؤوليته وتوابعه بشكل فردي حصراً ولا يتحمل الموقع أية مسؤولية قانونية عن هذه القرارات.
